الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ عُزَيْرٌ ٱبْنُ ٱللَّهِ وَقَالَتْ ٱلنَّصَارَى ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللَّهِ ذٰلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ ٱللَّهُ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ } * { ٱتَّخَذُوۤاْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَٱلْمَسِيحَ ٱبْنَ مَرْيَمَ وَمَآ أُمِرُوۤاْ إِلاَّ لِيَعْبُدُوۤاْ إِلَـٰهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } * { يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفْوَٰهِهِمْ وَيَأْبَىٰ ٱللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَٰفِرُونَ } * { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ }

قلت: عزيز: مبتدأ، و ابن الله: خبر، فمن نونه جعله مصروفاً لأنه عنده عربي، ومن حذف تنوينه: إما لمنعه من الصرف للعلمية والعجمية عنده، وإما لالتقاء الساكنين تشبيهاً للنون بحروف اللين، وهو ضعيف، والأول أحسن. يقول الحق جل جلاله: { وقالت اليهودُ عُزَيرٌ ابنُ الله } ، قال ابن عباس: هذه المقالة قالها أربعة منهم، وهم: سَلامُ بن مُشْكم، ونُعْمَانُ أو لُقْمَانُ بْنُ أَوفَى، وشَاسُ بنُ قَيس، وَمَالِكُ بْنُ الصَّيْفِ. وقيل: لم يقلها إلا فنحاص، ونسب ذلك لجميعهم لسكوتهم عنه. قال البيضاوي: إنما قال ذلك بعضهم من متقدميهم، أو ممن كانوا بالمدينة، وإنما قالوا ذلك لأنه لم يبق فيهم بعد وقعة بختنصر من يحفظ التوراة، وهو ـ أي عزير ـ لما أحياه الله بعد مائة عام، أملى عليهم التوراة حفظاً، فتعجبوا من ذلك، وقالوا: ما هذا إلا أنه ابن الله، والدليل على أن هذا القول كان فيهم أن الآية قُرئت عليهم فلم يكذبوا مع تهالكهم على التكذيب. هـ. { وقالت النصارى المسيحُ ابنُ الله } ، هو أيضاً قول بعضهم، وإنما قالوه استحالة أن يكون الولد بلا أب، أو لما كان يفعل من إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى، وتقدم الرد عليهم، وسبب إدخال هذه الشبهة عليهم، في سورة المائدة. قال تعالى: { ذلك قولُهم بأفواههم } من غير دليل ولا برهان، بل قالوا به من عندهم { يُضاهِئون } أي: يشابهون في هذه المقالة { قولَ الذين كفروا من قبلُ } ، يعني: قدماءهم، على معنى أن الكفر قديم فيهم. قال ابن جزي: فإن كان الضمير لليهود والنصارى، أي المتقدمين، فالإشارة بقوله: الذين كفروا من قبل للمشركين من العرب، إذ قالوا: الملائكة بنات الله، وهم أول كافر، أو للصابئين، أو لأمم تقدمت، وإن كان الضمير للمعاصرين للنبي صلى الله عليه وسلم من اليهود والنصارى، فالذين كفروا من قبل هم أسلافهم المتقدمون. هـ. { قاتَلهُم اللَّهُ } أي: أهلكهم ودمرهم لأن من قاتله الله هلك، فيكون دعاء، أو تعجباً من شناعة قولهم، { أنَى يُؤفكون } أي: كيف يصرفون عن الحق إلى الباطل. { اتخذوا أحبارَهم } أي: علماءَهم { ورهبانَهم } عُبَّادَهم { أرباباً من دون الله } بأن أطاعوهم في تحريم ما أحل الله، وتحليل ما حرم الله، وفي السجود لهم، { والمسيحَ ابنَ مريمَ } بأن جعلوه ابن الله، { وما أمروا إلا ليعبدوا إِلهاً واحداً } وهو الله الواحد الحق، وأما طاعة الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ وسائر من أمر بطاعته، فهو في الحقيقة طاعة الله، { لا إله إلا هو } تقرير للتوحيد، { سبحانه عما يشركون } تنزيهاً له عن أن يكون معه شريك. { يريدون أن يُطفئوا } أي: يُخمدوا { نورَ الله } القرآن أو الإسلام بجملته، { بأفواههم } كقولهم فيه: سحر، وشعر، وغير ذلك، وفيه إشارة إلى ضعف حيلتهم فيما أرادوا، { ويأبى اللَّهُ } لا يرضى { إلا أن يُتِمَ نوره } بإعلاء التوحيد وإظهار الإسلام، وإعزاز القرآن وأهله، { ولو كره الكافرون } ذلك، فإن الله لا محالة يُتم نوره، ويظهر دينه.

السابقالتالي
2 3