الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ ٱلْحَاجِّ وَعِمَارَةَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } * { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ ٱللَّهِ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَائِزُونَ } * { يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ } * { خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ }

قلت: السقاية والعمارة: مصدران، فلا يشبهان بالجثة، فلا بد من حذف، أي: أجعلتم أهل سقاية الحاج كمن آمن، أو جعلتم سقاية الحاج كإيمان من آمن. يقول الحق جل جلاله: { أجعلتُم } أهل { سِقَايةَ الحاجِّ، و } أهل { عمارة المسجدِ الحرام } من أهل الشرك المحبطة أعمالُهم، { كمن آمن باللَّهِ واليوم الآخر } من أهل الإيمان، { وجاهَد في سبيل الله } لإعلاء كلمة الله، المثبتة أعمالهم، بل { لا يستوون عند الله } أبداً لأن أهل الشرك الذين حبطت أعمالهم في أسفل سافلين، إن لم يتوبوا، وأهل الإيمان والجهاد في أعلى عليين. ونزلت الآية في علي ـ كرم الله وجهه ـ والعباس وطلحة بن شيبة، افتخروا، فقال طلحة: أنا صاحب البيت، وعندي مفاتحه، وقال العباس: أنا صاحب السقاية، وقال علي رضي الله عنه: لقد أسلمت وجاهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبيَّن الله تعالى أن الإيمان والجهاد أفضل، ووبخ من افتخر بغير ذلك فقال: { والله لا يهدي القوم الظالمين } أي: الكفرة الذين ظلموا أنفسهم بالشرك، ومعاداة الرسول صلى الله عليه وسلم، وداموا على ذلك، وقيل: المراد بالظالمين: الذين يسوون بينهم وبين المؤمنين. ثم أكد بقوله: { الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظمُ درجةً } ، وأعلى رتبة، وأكثر كرامة، { عند الله } ، ممن لم يستجمع هذه الصفات، أو من أهل السقاية والعمارة عندكم، { وأولئك هم الفائزون } بكل خير، الظافرون بنيل الحسنى والزلفى عند الله، دون من عداهم ممن لم يفعل ذلك. ثم زاد في كرامتهم فقال: { يُبشرهم ربُّهم برحمةٍ منه } أي: تقريب، وعطف منه { ورضوان وجنات لهم فيها } أي: في الجنان { نعيم مقيم } دائم، لا نفاد له ولا انقطاع. وتنكير المبشر به إشعار بأنه وراء التعيين والتعريف، حال كونهم { خالدين فيها أبداً } ، أكد الخلود بالتأبيد لأنه قد يطلق على طُول المكث، { إن الله عنده أجر عظيم } يُستحقر دونه مشاق الأعمال المستوجبة له، أو نعيم الدنيا إذ لا قدر له في جانب نعم الآخرة. الإشارة: لا يستوي من قعد في وطنه مع عوائده وأسبابه، راكناً إلى عشائره وأحبابه، واقفاً مع هواه، غافلاً عن السير إلى مولاه، مع من هاجر وطنَه وأحبابَه، وخرق عوائده وأسبابَه، وجاهد نفسه وهواه، سائراً إلى حضرة مولاه، لا يستوون أبداً عند الله لأن هؤلاء مقربون عند الله، والآخرون في محل البعد عن الله، ولو كثر علمهم وعملهم عند الله، شتان بين من همته القصور والحور، وبين من همته الحضور ورفع الستور، يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان، وجنات المعارف لهم فيها نعيم لأرواحهم، وهو الشهود والعيان، لا يحجب عنهم طرفة عين، إن الله عنده إجر عظيم، لا يخطر على قلب بشر لا حرمنا الله من ذلك. ثم نهى عن موالاة أهل الغفلة وإن قربُوا نسباً، فقال: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُوۤاْ آبَآءَكُمْ }.