الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ بَرَآءَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى ٱلَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { فَسِيحُواْ فِي ٱلأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي ٱللَّهِ وَأَنَّ ٱللَّهَ مُخْزِي ٱلْكَافِرِينَ }

قلت: براءة: خبر عن مضمر، أي: هذه براءة و مِنَ: ابتدائية، متعلقة بمحذوف، أي: واصلة من الله، و إلى الذين: متعلقة به أيضاً، أ و مبتدأ لتخصيصها بالصفة، و إلى الذين: خبر. يقول الحق جل جلاله: هذه { براءة } أي: تبرئة { من الله ورسوله } واصلة { إلى الذين عاهدتم من المشركين } ، فقد تبرأ الله ورسوله من كل عهد كان بين المشركين والمسلمين، لأنهم نكثوا أولاً، إلا أناساً منهم لم ينكثوا، وهم بنو ضمرة وبنو كنانة، وسيأتي استثناؤهم. قال البيضاوي: وإنما علقت البراءة بالله وبرسوله، والمعاهدة بالمسلمين للدلالة على أنه يجب عليهم نبذ عهود المشركين إليهم، وإن كانت صادرة بإذن الله واتفاق الرسول فإنهما برئا منها. هـ. وقال ابن جزي: وإنما أسند العهد إلى المسلمين لأن فعل الرسول صلى الله عليه وسلم لازم للمسلمين، وكأنهم هم الذين عاهدوا المشركين، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد عقد العهد مع المشركين إلى آجال محدودة، فمنهم من وفّى، فأمر الله أن يتم عهده إلى مدته، ومنهم من نقص أو قارب النقض، وجعل له أجل أربعة أشهر، وبعدها لا يكون له عهد. هـ. وإلى ذلك أشار بقوله: { فسيحوا في الأرض أربعةَ أشهرٍ } آمنين لا يتعرض لكم أحد، وبعدها لا عهد بيني وبينكم. وذكر الطبري: أنهم أسلموا كلهم في هذه المدة ولم يسح أحد. هـ. وهذه الأربعة الأشهر: شوال، وذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، لأنها نزلت في شوال، وقيل: هي عشرون من ذي الحجة، والمحرم، وصفر، وربيع الأول، وعشر من الآخر، لأن التبليغ كان يوم النحر لما روي أنها لَمّا نزلت أرسل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم علياً رضي الله عنه راكبِاً العَضْبَاءَ ليَقْرأَهَا عَلى أهل المَوْسِم، وكان قد بعث أبا بكرٍ رضي الله عنه أميراً على الموسم، فقيل: لو بَعَثْتَ بها إِلى أَبَي بكرٍ؟ فقال: " لا يُؤَدِّي عَنَّي إلا رَجُلٌ مِنِّي " فَلَمَّا دَنَا عَليٌّ رضي الله عنه، سَمِعَ أَبُو بَكرٍ الرُّغاءَ، فوقف وَقَال: هذا رُغاء ناقَةِ رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم، فوقف، فلمَّا لَحِقَهُ قال: أَمير أو مَأمُورٌ؟ قال: مَأمُورٌ، فلما كان قبل الترْويَة خَطَبَ أبو بكر رضي الله عنه، وحَدَّثَهُمْ عَنْ مَنَاسِكَهِم، وقَامَ عليٌّ ـ كرم الله وجهه ـ يومَ النَّحر، عند جَمْرَةِ العَقَبَةِ، فقال: يا أَيُّها النّاس، إني رَسُولُ رَسولِ اللَّهِ إليكم، فقالوا: بماذا؟ فَقَرأَ عليهمْ ثلاثين أوْ أرْبعين آيةً من أول السورة، ثم قال: أمرْتُ بأربَعٍ: أَلا يَقْرب البَيْتَ بعد هذا مُشركٌ، ولا يَطُوف بالبيت عُريَانٌ، ولا يَدخُلُ الجَنَّةَ إلا نَفْسٌ مُؤْمِنَةٍ، وأن يَتِمَّ كُلّ ذِي عَهْدٍ عَهْدُهُ. ولعل قوله صلى الله عليه وسلم:

السابقالتالي
2