الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } * { فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْعَظِيمِ }

قلت: " عزيز ": صفة " الرسول " ، و " عنتم ": فاعله، و " ما ": مصدرية، أي: عزيز عليه عَنَتُكُم، أو عزيز: خبر مقدم، و " ما عنتم " مبتدأ، والعنت: المشقة والتعب. يقول الحق جل جلاله: مخاطباً العرب، أو قريش، أو جميع بني آدم: { لقد جاءكم رسولٌ من أنفسِكم } محمدٌ صلى الله عليه وسلم، أي: من قبيلتكم، بحيث تعرفون حسبه وصدقه وأمانته، وتفهمون خطابه، أو من جنسكم من البشر. وقرأ ابن نشيط: بفتح الفاء، أي: من اشرافكم. قال صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى كِنَانَةًَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، واصْطَفَى قُرَيْشاً مَنْ كِنَانَةَ، واصْطَفَى بَنِي هَاشِم مِنْ قُريْشٍ، واصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِم، فأنا مُصْطَََفى من مُصْطَفَيْن " { عزيزٌ عليه } ، أي: شديد شاق عليه { ما عَنِتُّمْ } أي: عنتكم ومشقتكم ولقاؤكم المكروه في دينكم ودنياكم. { حريصٌ عليكم } أي: على إيمانكم وسعادتكم وصلاح شأنكم، { بالمؤمنين } منكم ومن غيركم { رؤوف رحيم } أي: شفيق بهم، قدَّم الأبلغ منهما لأن الرأفة شدة الرحمة للفاصلة. وسمى رسوله هنا باسمين من أسمائه تعالى. { فإن تولَّوا } عن الإيمان بك، بعد هذه الحالة المشهورة، التي منَّ الله عليهم بها، { فقلْ حسبيَ اللهُ } أي: كافيني أمركم فإن قلت ذلك يكفيك شأنهم ويعنيك عليهم، أو فإن أعرضوا فاستعن بالله وتوكل عليه، فإنه كافيك، { لا إله إلا هو } فلا يُتوكل إلا عليه، { عليه توكلتُ } فلا أرجو ولا أخاف إلا منه، { وهو ربُّ العرش العظيم } ، أي: المُلك العظيم، أو الجسم الأعظم المحيط، الذي تنزل منه الأحكام والمقادير. وعن أُبي: آخر ما نزل هاتان الآيتان. وعن النبي صلى الله عليه وسلم: " ما نَزَل القرآنُ عليَّ إلا آية آيةً، وحرفاً حرفاً، ما خَلاَ سورة براءة " و { قل هو الله أحد } فإنهما أُنْزِلَتَا عليَّ ومَعَهُمَا سْبعون ألف صفٍ من الملائكة ". قاله البيضاوي وهاتان الآيتان أيضاً مما وجدَتَا عند خزيمة بن ثابت، بعد جمع المصحف، فألحقتا في المصحف، بعد تذكير الصحابة لهما وإجماعهم عليهما. والله تعالى أعلم. الإشارة: ينبغي لورثته ـ عليه الصلاة والسلام ـ الداعين إلى الله، أن يتخلقوا بأخلاقه صلى الله عليه وسلم، فيشق عليهم ما ينزل بالمؤمنين من المشاق والمكاره، وييسرون ولا يعسرون عليهم، ويحرصون على الخير للناس كافة، ويبذلون جهدهم في إيصاله إليهم، ويرحمونهم ويشفقون عليهم، فإن ادبروا عنهم استغنوا بالله وتوكلوا عليه، وفوضوا أمرهم إليه، من غير أسف ولا حزن. وقال الورتجبي: قوله تعالى: { عزيز عليه ما عنتم } ، اشتد عليه مخالفتنا مع الحق، ومتابعتنا هوانا واحتجابنا عن الحق. قال بعضهم: شق عليه ركوبكم مراكب الخلاف.

السابقالتالي
2