الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ كَلاَّ إِذَا دُكَّتِ ٱلأَرْضُ دَكّاً دَكّاً } * { وَجَآءَ رَبُّكَ وَٱلْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً } * { وَجِيۤءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ ٱلإِنسَانُ وَأَنَّىٰ لَهُ ٱلذِّكْرَىٰ } * { يَقُولُ يٰلَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي } * { فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ } * { وَلاَ يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ } * { يٰأَيَّتُهَا ٱلنَّفْسُ ٱلْمُطْمَئِنَّةُ } * { ٱرْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً } * { فَٱدْخُلِي فِي عِبَادِي } * { وَٱدْخُلِي جَنَّتِي }

يقول الحق جلّ جلاله: { كلا إِذا دُكَّتِ الأرْضُ } أي: زُلزلت { دَكاً دَكاً } أي: دكاً بعد دكّ، أي: كرّر عليها الدكّ حتى صارت هباءً منبثاً، أو قاعاً صفصفاً، { وجاء ربُّك } أي: تجلّى لفصل قضائه بين عباده، وعن ابن عباس: أمره وقضاؤه، { والمَلكُ صفاً صفاً } أي: نزل ملائكة كل سماء فيصفون صفاً بعد صف محدقين بالإنس والجن، { وجيء يومئذٍ بجهنمَ } ، قيل: بُرِّزت لأهلها، كقوله:وَبُرِّزَتِ ٱلْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ 91 } [الشعراء:91] وقيل: يجاء بها حقيقة، وفي الحديث: " يؤتى بجهنم يومئذٍ، لها سبعونَ ألفَ زمامٍ، مع كل زمام سبعون ألف ملك يَجرُّونها، حتى تنصب عن يسار العرش لها لغيط وزفير " رواه مسلم. { يومئذ يتذكّرُ الإِنسانُ } أي: يتّعظ، وهو بدل من إذا دُكت والعامل فيه: يتذكّر أي: إذا دُكت الأرض ووقع الفصل بين العباد يتذكر الإنسان ما فرّط فيه بمشاهدة جزائه، { وأنَّى له الذِّكْرَى } أي: ومن أين له الذكرى؟ لفوات وقتها في الدنيا، { يقول يا ليتني قدمتُ لحياتي } هذه، وهي حياة الآخرة، أي: يا ليتني قدّمتُ الأعمالَ الصالحة في الدنيا الفانية لحياتي الباقية. { فيومئذٍ لا يُعَذِّبُ عذابَه أحدٌ } أي: لا يتولّى عذاب الله أحد لأن الأمر لله وحده في ذلك اليوم، { ولا يُوثِقُ وثاقه أحدٌ } ، قال صاحب الكشف: لايُعدَّب بالسلاسل والأغلال أحدٌ كعذاب الله، ولا يوثِق أحدٌ أحداً كوثاق الله. وقرأ الأخوان بفتح الذال والثاء، بالبناء للمفعول، قيل: وهي قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورجع إليها أبو عمرو في آخر عمره، والضمير يرجع إلى الإنسان الموصوف، وهو الكافر. وقيل: هو أُبيّ بن خلف، أي: لا يُعذِّب أحدٌ مثل عذابه، ولا يوثق بالسلاسل مثل وثاقه لتناهيه في كفره وعناده. ثم يقول الله تعالى للمؤمن: { يا أيتها النفسُ } يخاطبه تعالى إكراماً له بلا واسطة أو على لسان ملك، { المطمئنةِ } بوجود الله، أو بذكره، أو بشهوده، الواصلة إلى بَلَج اليقين، بحيث لا يخالطها شك ولا وهم، وقيل: المطمئنة، أي: الآمنة التي لا يستفزها خوف ولا حزن، ويؤيده: قراءة مَن قرأ: يا أيتها النفس الآمنة المطمئنة. ويقال لها هذا عند البعث، أو عند تمام الحساب، أو عند الموت: { ارجعي إِلى ربك } إلى وعده، أو: إلى إكرامه، { راضيةً } بما أُوتيت من النعيم { مرضيةً } عند الله عزّ وجل، { فادخلي في عبادي } أي: في زمرة عبادي الصالحين المخلصين، وانتظمي في سلكهم، { وادخلي جنتي } معهم. وقال أبو عبيدة: أي: مع عبادي وبين عبادي. أي: خواصّي، كما قال:وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ ٱلصَّالِحِينَ } [النمل:19]. وقيل: المراد بالنفس: الروح، أي: وادخلي في أجساد عبادي، لقراءة ابن مسعود: " في جسد عبادي " ولمّا مات ابن عباس بالطائف جاء طائر لم يُرَ على خلقته فدخل في نعشه، فلما دُفن تُليت هذه الآية على شفا قبره، ولم يُدْرَ مَن تلاها، وقيل: نزلت في حمزة بن عبد المطلب وقيل: في خُبيْب بن عدي، الذي صلبه أهلُ مكة والمختار: أنها عامة في المؤمنين إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

السابقالتالي
2