الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْبُرُوجِ } * { وَٱلْيَوْمِ ٱلْمَوْعُودِ } * { وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ } * { قُتِلَ أَصْحَابُ ٱلأُخْدُودِ } * { ٱلنَّارِ ذَاتِ ٱلْوَقُودِ } * { إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ } * { وَهُمْ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ } * { وَمَا نَقَمُواْ مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ } * { ٱلَّذِي لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ فَتَنُواْ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُواْ فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ ٱلْحَرِيقِ }

يقول الحق جلّ جلاله: { والسماءِ ذات البروج } الأثني عشر، وهي الحَمَل، والثور، والجوزاء، والسرطان، والأسد، والسنبلة، والميزان، والعقرب، والقوس، والجدي، والدلو، والحوت. شُبهت بالقصور لأنها تنزلها السيارة، وتكون فيها الثوابت ومنازل القمر، أو: عُظْم الكواكب، سُميت بروجاً لظهورها، من: التبرُّج، أي الظهور، أو: أبواب السماء، فإنَّ النوازل تخرج منها، { واليومِ الموعودِ } أي: يوم القيامة. { وشاهدٍ ومشهودٍ } أي: وشاهد في ذلك اليوم ومشهود فيه، والمراد بالشاهد: مَن يشهد فيه من الخلائق كلهم، وبالمشهود فيه: ما في ذلك اليوم من عجائبه وأهواله، إذا أُريد بالشهود: الحضور، وإذا أريد الشهادة، فيُقَدّر المعمول، أي: مشهود عليه أو مشهود به. وقد اضطربت الأقوال في الشاهد والمشهود، فقيل: الشاهد: أمة محمد صلى الله عليه وسلم، والمشهود: سائر الأمم لأنه يشهدون عليهم كما تقدّم وقيل: الشاهد: عيسى عليه السلام، والمشهود: أمته، لقوله:وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ } [المائدة:117]، وقيل: الشاهد: جميع الأنبياء، والمشهود: أممهم، وقيل: الشاهد: الملائكة الحفظة، والمشهود: الناس، لأنهم يشهدون عليهم يوم القيامة. وقيل: الشاهد: الجوارح، والمشهود عليهم: أصحابها وقيل: الشاهد: الله والملائكة وأولو العلم، والمشهود به: الوحدانية، لقوله تعالى:شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَٱلْمَلَـٰئِكَةُ } [آل عمران:18] الخ. وقيل: الشاهد: جميع المخلوقات، والمشهود به: وجود خالقها وإثبات صفاته من الحياة والقدرة... وغير ذلك. وقيل: الشاهد: النجم، للحديث: " لا صلاة بعد العصر حتى يطلع الشاهد " أي: النجم والمشهود: الليل، لأن النجم يشهد بانقضاء النهار ودخول الليل. وقيل: الشاهد: الحجر الأسود، والمشهود: الناس يحجون، لأنه يشهد عليهم يوم القيامة لمَن قَبّله أو لمسه. وقيل: الشاهد: يوم الجمعة، والمشهود: يوم عرفة، لأنَّ يوم الجمعة يشهده بالأعمال، ويوم عرفة يشهده الناس، وهذا مروي عنه صلى الله عليه وسلم. وقيل: الشاهد: يوم عرفة، والمشهود: يوم النحر. قاله عليّ رضي الله عنه، انظر ابن جزي. وقيل: الشاهد: الأيام والليالي، والمشهود: بنو آدم، للحديث " ما من يوم إلاَّ وينادي: أنا يوم جديد، وعلى ما يُفعل بي شهيد، فاغتنمني " وكذلك تقول الليلة، وأنشدوا:
مضى أمْسُـك الماضي شهيداً معدّلاً وخُلّفتَ في يوم عليك شهيدُ فإن كنت بالأمس اقترفت إساءة فَثَنهْ بإحسانٍ وأنت حميدُ ولا تُرْج فعْل الخير يوماً إلى غدٍ لعل غداً يأتي وأنت فقيدُ فيومُك إن أتعبتَه نفعه غدا عليك وماضي العَيْش ليس يعودُ   
وجواب القسم إمّا محذوف يدلّ عليه: { قُتل... } الخ، كأنه قيل: أقسم بهذه الأشياء أنّ كفار قريش ملعونون كما لُعن { أصحابُ الأخدود } أو: هو قتل بعينه على حذف اللام، لطول الكلام، أي: لقد قُتل أصحاب الأخدود، والمراد: تثبيت المؤمنين على ما هم عليه من الإيمان، وتصبيرهم على أذى الكفرة، وتذكيرهم بما جرى على مَن تقدمهم من التعذيب، وصبرهم على ذلك، حتى يأنسوا ويصبروا على ما كانوا يلقون من قومهم، ويعلموا أنَّ هؤلاء الكفرة بمنزلة أولئك، ملعونون مثلهم.

السابقالتالي
2 3 4