الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ قُتِلَ ٱلإِنسَانُ مَآ أَكْفَرَهُ } * { مِنْ أَيِّ شَيءٍ خَلَقَهُ } * { مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ } * { ثُمَّ ٱلسَّبِيلَ يَسَّرَهُ } * { ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ } * { ثُمَّ إِذَا شَآءَ أَنشَرَهُ } * { كَلاَّ لَمَّا يَقْضِ مَآ أَمَرَهُ } * { فَلْيَنظُرِ ٱلإِنسَانُ إِلَىٰ طَعَامِهِ } * { أَنَّا صَبَبْنَا ٱلْمَآءَ صَبّاً } * { ثُمَّ شَقَقْنَا ٱلأَرْضَ شَقّاً } * { فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً } * { وَعِنَباً وَقَضْباً } * { وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً } * { وَحَدَآئِقَ غُلْباً } * { وَفَاكِهَةً وَأَبّاً } * { مَّتَاعاً لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ }

يقول الحق جلّ جلاله: { قُتِلَ الإِنسانُ } أي: لُعن، والمراد: إمّا مَن استغنى عن القرآن الكريم الذي ذكرت نُعُوته الجليلة، الموجبة للإقبال عليه، والإيمان به، وإمّا الجنس باعتبار انتظامه له ولأمثاله من أفراده وقيل: المراد: أُميّة أو: عُتبة بن ربيعة. { ما أكْفَرَه } ، ما أشد كفره! تعجبٌ من إفراطه في الكفران، وبيانٌ لاستحقاقه الدعاء عليه، وقيل: " ما " استفهامية، توبيخي، أي: أيُّ شيء حَمَلَه على الكفر؟! { من أي شيءٍ خَلَقهُ } أي: من أيِّ شيءٍ حقيرٍ خلَقَه؟ ثم بيّنه بقوله: { من نطفةٍ خَلَقَه } أي: مِن نطفة مذرة ابتداء خلقه، { فقدَّره } فهيّأه لِما يصلح له، ويليق به من الأعضاء والأشكال، أو: فقدّره أطوراً إلى أن تَم خلقه. { ثم السبيلَ يَسَّرهُ } أي: يَسّر له سبيل الخروج من بطن أمه، بأن فتح له فم الرحم، وألهمه أن يتنكّس ليسهل خروجه. وتعريف " السبيل " باللام للإشعار بالعموم، أو: يَسْر له سبيل الخير أو الشر، على ماسبق له، أو يَسْر له سبيل النظر السديد، المؤدِّي إلى الإيمان، وهو منصوب بفعل يُفسره ما بعده. { ثم أماته فأقْبَره } أي: جعله ذا قبرٍ يُوارَى فيه تكرمةً، ولم يجعله مطروداً على وجه الأرض تأكله السباع والطير، كسائر الحيوان. يُقال: قبرتَ الميت: إذا دفنته، وأقبرته: أمرت بدفنه. وعدّ الإماتة من النِعم لأنها وصلة في الجملة إلى الحياة الأبدية والنعيم المقيم، ولأنها سبب وصول الحبيب إلى حبيبه. { ثم إِذا شاء أنْشَرَهُ } أي: إذا شاء نَشْرَه، على القاعدة المستمرة مِن حذف مفعول المشيئة، أي: ثم ينشره في الوقت الذي شاء، وهو يوم القيامة، وفي تعلُّق الإنشار بمشيئته ـ تعالى ـ إيذان بأنّ وقته غير متعين، قال ابن عرفة: تعليق المعاد بالمشيئة جائز، جارٍ على مذهب أهل السنة لأنهم يقولون: إنه جائز عقلاً، واجب شرعاً، وأمّا المعتزلة فيقولون بوجوبه، بناء على قاعدة التحسين والتقبيح العقليين. هـ. { كلاَّ } ، ردع للإنسان عما هو عليه، ثم بيَّن سبب الردع فقال: { لمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ } أي: لم يقضِ العبد جميع ما أمَرَه اللهُ به إذ لا يخلوا العبد من تقصيرٍ ما، فإن قلت: " لَمَّا " تقتضي توقع منفيها، وهو هنا متعذر كما قلتَ؟. قلتُ: الأمر الذي أمر الله به عبادَه في الجملة: هو الوصول إلى حضرة الشهود والعيان، وهو ممكن عادة، متوقع في الجملة وقد وصل إليه كثير من أوليائه تعالى، فمَن وصل إليه فلا تقصير في حقه، وإن كانت المعرفة غير متناهية، ومَن لم يصل إليه فهومُقصِّر، غير أنَّ عقابه هو احتجابه عن ربه. والله تعالى أعلم. ثم أَمَرَ بالتفكُّر في نِعم الله، ليكون سبباً للشكر، الذي هو: صرف كلية العبد في طاعة مولاه، فلعله يقضي ما أَمَرَه فقال: { فلينظر الإِنسانُ إِلى طعامه } أي: فلينظر إلى طعامه الذي هو قِوام بدنه، وعليه يدور أمر معاشه، كيف صيَّرناه، { أَنَّا صَبَبْنَا الماءَ } أي: الغيث { صَبًّا } عجيباً، فمَن قرأ بالفتح فبدل اشتمال من الطعام، وبالكسر استئناف.

السابقالتالي
2 3