الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ يِٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوۤاْ إِن تَتَّقُواْ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ }

يقول الحق جل جلاله: { يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله } ، كما أمركم، { يجعل لكم فرقاناً } نوراً في قلوبكم، تُفرقون به بين الحق والباطل، والحسن والقبيح. قال ابن جزي: وذلك دليل على أن التقوى تُنور القلب، وتشرح الصدر، وتزيد في العلم والمعرفة. هـ. أو: نصراً يُفرق بين المحق والمبطل بإعزاز المؤمنين وإذلال الكافرين، أو مخرجاً من الشبهات، أو نجاة مما تحذرون في الدارين من المكروهات، أو ظهوراً يشهر أمركم ويثبت صِيتَكم، من قولهم: سطع فرقان الصبح، أي نوره، { ويُكفِّر عنكم سيئاتكم } أي: يسترها، فلا يفضحكم يوم القيامة، { ويغفرْ لكم } يتجاوز عن مساوئكم، أو يكفر صغائركم ويغفر كبائركم، أو يكفر ما تقدم ويغفر ما تأخر، { والله ذوالفضل العظيم } ، ففضله أعظم من كل ذنب، وفيه تنبيه على أن ما وعده لهم على التقوى تفضل منه وإحسان، لا أن تقواهم أو جبت ذلك عليه، كالسيد إذا ما وعده عبده أن يعطيه شيئاً في مقابلة عمل امره به، مع أنه واجب عليه لا محيد له عنه. والله تعالى أعلم. الإشارة: الفرقان الذي يلقيه الله في قلوب المتقين من المتوجهين هو نور الواردات الإلهية، التي ترد على القلوب من حضرة الغيوب، وهي ثلاثة أقسام: وارد الانتباه: وهو نور يفرق به بين الغفلة واليقظة، وبين البطالة والنهوض إلى الطاعة، فيترك غفلته وهواه، وينهض إلى مولاه، ووارد الإقبال: وهو نور يفرق به بين الوقوف مع ظلمة الحجاب وبين السير إلى شهود الأحباب، ووارد الوصال: وهو نور يفرق به بين ظلمة الأكوان، ونور الشهود، أو بين ظلمة سحاب الأثر وشهود شمس العرفان. وإلى هذه الواردات الثلاثة أشار في الحكم بقوله: " إنما أورد عليك الوارد لتكون به عليه وارداً، أورد عليك الوارد ليسلمك من يد الأغيار، ويحررك من رق الآثار، أورد عليك الوارد ليخرجك من سجن وجودك إلى فضاء شهودك ". ثم ذكَّر نبيه صلى الله عليه وسلم بما فعل معه من الحفظ والرعاية من أعدائه اللئام، فقال: { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ }.