الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ } * { إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِٱلْوَادِ ٱلْمُقَدَّسِ طُوًى } * { ٱذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ } * { فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَىٰ أَن تَزَكَّىٰ } * { وَأَهْدِيَكَ إِلَىٰ رَبِّكَ فَتَخْشَىٰ } * { فَأَرَاهُ ٱلآيَةَ ٱلْكُبْرَىٰ } * { فَكَذَّبَ وَعَصَىٰ } * { ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَىٰ } * { فَحَشَرَ فَنَادَىٰ } * { فَقَالَ أَنَاْ رَبُّكُمُ ٱلأَعْلَىٰ } * { فَأَخَذَهُ ٱللَّهُ نَكَالَ ٱلآخِرَةِ وَٱلأُوْلَىٰ } * { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ }

يقول الحق جلّ جلاله: { هل أتاك حديثُ موسى } تشويقاً لما يُلقى إليه مِن خبره، أي: هل أتاك حديثه، أنا أُخبرك به، إن كان هذا أول ما أتاه من حديثه. وإن كان تقدّم قبل هذا حديثه، وهو المتبادر، فالمعنى: أليس قد آتاك حديثه. وقوله: { إِذْ ناداه رَبُّه }: ظرف للحديث لا للإتيان، لاختلاف وقتهما أي: هل وصلك حديثه ناداه ربه { بالوادِ المقدّس } المبارك المطهّر، اسمه: { طُوى } بالصرف وعدمه. فقال في ندائه له: { اذهبْ إِلى فرعون إِنه طَغَى } تجاوز الحدّ في الكفر والطغيان، { فقلْ } له بعد أن تأتيه: { هل لك إِلى أن تزكَّى } أي: هل لك رغبة وتَوَجُّه إلى التزكية والتطهير من دنس الكفر والطغيان بالطاعة والإيمان. قال ابن عطية: " هل " هو استدعاء حسن. قال الكواشي: يقال: هل لك في كذا؟ وهل لك إلى كذا؟ كقولك: هل ترغب في كذا، وهل ترغب إلى كذا. قال: وأخبر تعالى أنه أمر موسى بإبلاغ الرسالة إلى فرعون بصيغة الاستفهام والعرض، ليكون أصغى لأذنه، وأوعى لقلبه، لِما له عليه من حق التربية. هـ. وأصله: " تتزكى " ، فحذف إحدى التاءين، أو: أدغمت، فيمن شدّد الزاي. { وأهْدِيَكَ إِلى ربك } وأهديك إلى معرفته، بذكر دلائل توحيده وصفات ذاته، { فتخشَى } ، لأنَّ الخشية لا تكون إلاَّ مع المعرفة، قال تعالى:إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ٱلْعُلَمَـٰؤُاْ } [فاطر:28] أي: العلماء بالله. وقال بعض الحكماء: اعرفوا الله، فمَن عرف الله لم يقدر أن يعصيه طرفةَ عين. فالخشية ملاك الأمر فمَن خشي الله أتى منه كل خير ومَن أَمِنَ اجترأ على كل شر. ومنه الحديث: " مَن خشي أدلج، ومَن أدلج بلغ المنزل " قال النسفي: بدأ مخاطبته بالاستفهام، الذي معناه العرض، كما يقول الرجل لضيفه: هل لك أن تنزل بنا؟ وأردفه الكلامَ الرقيق، ليستدعيه باللطف في القول، ويستنزله بالمداراة من عتوّه، كما أمر بذلك في قوله:فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِِّناً } [طه:44] هـ. { فأراه الآيةَ الكبرى } ، الفاء: فصيحة تفصح عن جملة قد طويت تعويلاً على تفصيلها في السور الأخرى، فإنه عليه السلام ما أراه إياها عقب هذا الأمر، بل بعدما جرى بينه وبينه من المحاورات إلى أن قال:إِن كُنتَ جِئْتَ بِئَايَةٍ فَأْتِ } [الأعراف:106]. والآية الكبرى: العصا، أو: هي واليد، لأنهما في حكم آية واحدة. ونسبتُها إليه عليه السلام بالنسبة إلى الظاهر، كما أنّ نسبتها إلى نون العظمة في قوله تعالى:وَلَقَدْ أَرَيْنَـٰهُ ءَايَـٰتِنَا كُلَّهَا } [طه:56] بالنظر إلى الحقيقة { فكذَّب وعَصَى } أي: كذَّب موسى عليه السلام. وسمَّى معجزته سحراً، وعصى اللهَ عزّ وجل بالتمرُّد، بعدما عَلِمَ صحة الأمر ووجوب الطاعة، أشد العصيان وأقبحه، حيث اجترأ على إنكار وجود رب العالمين رأساً.

السابقالتالي
2 3