الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ } * { عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلْعَظِيمِ } * { ٱلَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ } * { كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ } * { ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ }

يقول الحق جلّ جلاله: { عَمّ يتساءلون } ، وأصله: " عمّا " فحذفت الألف، كما قال في الألفية:
وما في الاسْتِفهامِ إن جُرَّت حُذِفْ أَلِفهَا وأَوْلهَا الها إنْ تَقْفِ   
وحذفها إمّا للفرق بين الاستفهامية والموصولة، أو للتخفيف، لكثرة الاستعمال، وقُرىء بالألف على الأصل، أي: عن شيءٍ يتساءلون. والضمير لأهل مكة، وكانوا يتساءلون عن البعث فيما بينهم، يسأل بعضُهم بعضاً، ويخوضون فيه إنكاراً واستهزاءً، وليس السؤال عن حقيقته، بل عن وقوعه، الذي هو حال من أحواله، ووصف من أوصافه، فإنَّ " ما " كما يُسأل بها عن الحقيقة يُسأل بها عن الصفة، فتقول: ما زيد؟ فيقال: عالم أو طبيب. وقيل: النبأ العظيم هو القرآن، عجب من تساؤلهم واختلافهم وتجادلهم فيه. والاستفهام للتفخيم والتهويل والتعجيب من الجدال فيه، مع وضوح حقه وإعجازه الدالّ على صدق ما جاء به، وأنه من عند الله، فكان ينبغي ألاّ يجادل فيه، ولا يتساءل عنه، بل يقطع به ولا يشك فيه، وقد قال تعالى:قُلْ هُوَ نَبَؤاْ عَظِيمُ } [صۤ:67] الآية. وقال الورتجبي: النبأ العظيم: كلامه القديم عظيم بعظم الله القديم، لا يَنال بركته إلاّ أهل الله وخاصته. هـ. وقيل: كانوا يسألون المؤمنين، فالتفاعل قد يكون من واحد متعدد، كما في قولك: تراؤوا الهلال. انظر أبا السعود. وقوله: { عن النبأ العظيم } يتعلق بمحذوف، دلّ عليه ما قبله، فيوقف على " يتساءلون " ثم ليستأنف " عن النبأ... " الخ، أي: يتساءلون عن الخبر العظيم، وهو البعث وما بعده، أو القرآن، فتكون المناسبة بين السورتين قوله:فَبِأَيْ حَدِيِث بَعْدَهُ يُؤْمِنُون } [المرسلات:50] مع قوله: { عن النبأ العظيم } ، والأحسن: أنه كل ماجاءت به الشريعة من البعث والتوحيد والجزاء وغير ذلك. قال ابو السعود: هو بيان لشأن المسؤول عنه، إثر تفخيمه بإبهام أمره، وتوجيه أذهان السامعين نحوه، وتنزيلهم منزلة المستفهمين، لإيراده على طريقة الاستفهام من علاّم الغيوب، للتنبيه على أنه لعدم نظيره خارج عن دائرة علم الخلق، حقيق بأن يُعتنى بمعرفته ويُسأل عنه، كأنه قيل: عن أي شيء يتساءلون، هل أُخبركم به، ثم قيل بطريق الجواب: عن النبأ العظيم، على منهاج قوله تعالى:لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ } [غافر:16] فـ " عن " متعلقة بما يدل عليه المذكور وحقه أن يُقَدَّر مؤخراً، مسارعة إلى البيان، هذا هو الحقيق بالجزالة التنزيلية، وقد قيل: هي متعلقة بالمذكور، و " عَمَّ " متعلق بمضمر مفسَّر به، وأيّد ذلك بأنه قُرِىء " عمَّه " ، والأظهر: أنه مبني على إجراء الوصل مجرى الوقف، وقيل: " عن " الأولى للتعليل، كأنه قيل: لِمَ يتساءلون عن النبأ العظيم؟ والنبأ: الخبر الذي له شأن وخطر. هـ. { الذين هم فيه مختلفون } ، فمنهم مَن يقطع بإنكاره، ومنهم مَن يشك، فمنهم مَن يقول:

السابقالتالي
2