الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً } * { حَدَآئِقَ وَأَعْنَاباً } * { وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً } * { وَكَأْساً دِهَاقاً } * { لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ كِذَّاباً } * { جَزَآءً مِّن رَّبِّكَ عَطَآءً حِسَاباً } * { رَّبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ٱلرَّحْمَـٰنِ لاَ يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَاباً } * { يَوْمَ يَقُومُ ٱلرُّوحُ وَٱلْمَلاَئِكَةُ صَفّاً لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَقَالَ صَوَاباً } * { ذَلِكَ ٱلْيَوْمُ ٱلْحَقُّ فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ مَآباً } * { إِنَّآ أَنذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنظُرُ ٱلْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ ٱلْكَافِرُ يٰلَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً }

يقول الحق جلّ جلاله: { إِنَّ للمتقين مفازاً } أي: فوزاً ونجاة من كل مكروه، وظفراً بكل محبوب، وهو مَفْعَلٌ من الفوز، يصلح أن يكون مصدراً ومكاناً، وهو الجنة، ثم أبدل البعض من الكل، فقال: { حدائقَ } بساتين فيها أنواع الشجر المثمر، جمع حديقة وأبدل من المفرد، لأنَّ المصدر لا يجمع بل يصلح للقليل والكثير، { وأعناباً } ، كرر لشرفه، لأنه يخرج منه أصناف مِن النِعم، { وكواعبَ } نساء نواهِد، وهي مَن لم تسقط ثديها لصغرٍ، { أتراباً } أي: لَدَاتٍ مستوياتٍ في السنّ، { وكأساً دِهاقاً } مملوءة. { لا يسمعون فيها } في الجنة، حال من ضمير خبر " إن " ، { لَغْواً } باطلاً، { ولا كِذَّاباً } أي: لا يكذّب بعضهم بعضاً، وقرأ الكسائي بالتخفيف من المكاذبة، أي: لا يُكاذبه أحد، { جزاءً من ربك }: مصدر مؤكد منصوب بمعنى: إنَّ للمتقين مفازاً، فإنه في قوة أن يقال: جازى المتقين بمفاز جزاء كائناً من ربك. والتعرُّض لعنوان الربوبية، المنبئة عن التبليغ إلى الكمال شيئاً فشيئاً مع الإضافة إلى ضميره صلى الله عليه وسلم مزيد تشريف له عليه الصلاة والسلام، { عَطاءً } أي: تفضُّلاً منه تعالى وإحساناً، إذ لا يجب عليه شيء، وهو بدل مِن " جزاء " ، { حِساباً } أي: مُحسِباً، أي: كافياً، على أنه مصدر أقيم مقام الوصف، أو بولغ فيه، من: أحسبه إذا كفاه حتى قال حسبي أو: على حسب أعمالهم. { ربِّ السماواتِ والأرضِ وما بينهما } بدل من " ربك " { الرحمن }: صفة له أو للأول فمَن جَرَّهما فبدل من " ربك ". ومَن رفعهما فـ " رب " خبر متبدأ محذوف، أو متبدأ خبره " الرحمن " ، أو " الرحمن " صفة، و " لا يملكون " خبر، أو هما خبران، وأيًّا ما كان ففي ذكر ربوبيته تعالى للكل ورحمته الواسعة إشعار بمدار الجزاء المذكور، { لا يملكون } أي: أهل السماوات والأرض { منه خِطاباً } معذرة أو شفاعة أو غيرهما إلاَّ بإذنه، وهو استئناف مقرر لما أفادته الربوبية العامة، من غاية العظمة والكبرياء، واستقلاله تعالى بما ذكر من الجزاء والعطاء، من غير أن يكون لأحد قدرة عليه، والتنكير في للتقليل والنوعية. قال القشيري: كيف يكون للمكوَّن المخلوق المسكين مُكْنةٌ أن يملك منه خِطاباً، أو يتنفَّسَ بدونه نفساً؟ كلاَّ، بل هو الله الواحدُ الجبّار. ثم قال: إنما تظهر الهيبةُ على العموم لأهل الجمع في ذلك اليوم. وأمّا الخصوص فهم أبداً بمشهدِ العز بنعت الهيبة. هـ. { يومَ يقومَ الرُّوحُ } جبريل عليه السلام عند الجمهور، وقيل: مَلكٌ عظيم، ما خلق الله تعالى بعد العرش أعظم منه، يكون وحده صفًّا، { والملائكةُ صفاً }: حال، أي: مصطفين { لا يتكلمون } أي: الخلائق خوفاً، { إِلاَّ مَن أّذِنَ له الرحمنُ } في الكلام أو الشفاعة، { وقال صَواباً } أي: حقًّا.

السابقالتالي
2 3