الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ يَوْمَ ٱلْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً } * { يَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً } * { وَفُتِحَتِ ٱلسَّمَآءُ فَكَانَتْ أَبْوَاباً } * { وَسُيِّرَتِ ٱلْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً } * { إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً } * { لِّلطَّاغِينَ مَآباً } * { لاَّبِثِينَ فِيهَآ أَحْقَاباً } * { لاَّ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلاَ شَرَاباً } * { إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً } * { جَزَآءً وِفَاقاً } * { إِنَّهُمْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ حِسَاباً } * { وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا كِذَّاباً } * { وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَاباً } * { فَذُوقُواْ فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَاباً }

يقول الحق جلّ جلاله: { إِنَّ يومَ الفَصْلِ } بين الخلائق، فيتميز المحسن من المسيء، والمحقّ من المبطل، { كان } في علم الله تعالى وتقديره { ميقاتاً } وقتاً محدوداً ومُنتهى معلوماً لوقوع الجزاء أو: ميعاداً لجمع الأولين والآخرين، وما يترتب عليه من الجزاء ثواباً وعقاباً، لا يكاد يتخطاه بالتقدُّم ولا بالتأخُّر، وهو { يوم ينفخ في الصور } نفخة ثانية، فـ " يوم " بدل من " يوم الفصل " ، أو عطف بيان له، مفيد لزيادة تخفيمه وتهويله في تأخير الفصل، فإنه زمان ممتد، في مبدئه النفحة، وفي بقيته الفصل وآثاره. والصُور: القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لمّا خلق الله السموات والأرض خلق الصور، فأعطاه إسرافيل، فهو واضع له على فيه، شاخص ببصره إلى العرش، حتى يؤمر بالنفخ فيه، فيؤمر به، فينفخ نفخةً لا يبقى عندها في الحياة غير ما شاء الله، وذلك قوله تعالى: { وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي ٱلسَّماواتِ... } [الزمر:68] الآية، ثم يؤمر بأخرى، فينفخ نفخه لا يبقى معها ميت إلاَّ بُعث وقام، وذلك قوله تعالى: { ثُمََّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ } [الزمر:68]. " والفاء في قوله تعالى: { فتأتون } فصيحة تفصح عن جملة حُذفت ثقةً بدلالة الحال عليها، وإيذاناً بغاية سرعة الإتيان، كما في قوله تعالى:أّنِ ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْبَحْرَ فَـٱنفَلَقَ } [الشعراء:63] أي: فتبعثون من قبوركم فـتأتون عقب ذلك من غير لبث { أفواجاً } جماعات مختلفة الأحوال، متباينة، الأوضاع، حسب اختلاف أعمالكم وتباينها، مِن راكب، وطائر، وماش خفيف وثقيل، ومكب على وجهه وغير ذلك من الأحوال العظيمة، أو: أمماً، كل أمة مع رسولها، كما في قوله تعالى:يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُناَسِ بِإِمَامِهْم } [الكهف:47]. { وفُتِحت السماءُ } أي: تشققت لنزول الملائكة، وصيغة الماضي لتحقُّق وقوعه، { فكانت أبواباً } فصارت ذات أبواب وطرق وفروج وما لها اليومَ من فُروج. { وسُيْرت الجبالُ } في الجو على هيئتها بعد قلعها من مقارها، { فكانت سَرَاباً } هباءً، تخيل الشمس أنها سراب، وهَل هذا التسيير قبل البعث فلا يقع إلاَّ على أرض قاع صفصف، وهو ما تقتضيه ظواهر الآيات، كقوله:وَيَوْمَ نُسَيِّرُ ٱلْجِبَالَ وَتَرَى ٱلأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ } [الكهف:47] وقوله:وَحُمِلَتِ ٱلأَرْضُ وَٱلْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ ٱلْوَاقِعَةُ } [الحاقة:14، 15] والفاء تقتضي الترتيب، أو لا يقع إلاّ بعد البعث، وهو ظاهر الآية هنا وسورة القارعة. وهو الذي اقتصر عليه أبو السعود، قال: يُبدل اللهُ الأرض ويُغيّر هيئاتها، ويُسَيّر الجبال على تلك الهيئة الهائلة عند حشر الخلائق بعد النفخة الثانية ليشاهدوها. هـ. والله أعلم بحقيقة الأمر. ثم شرع في تفصيل أحكام الفصل بعد بيان هوله، وقدَّم بيان حال الكفرة ترهيباً، فقال: { إنَّ جهنم كانت مِرْصَاداً } أي: موضع الرصد، وهو الارتقاب والانتظار، أي: تنتظر الكفار وترتقبهم ليدخلوا فيها، أو طريقاً يمر عليه الخلق، فالمؤمن يمر عليها، والكافر يقع فيها، أي: كانت في علم الله وقضائه موضع رصد يرصد فيه الخزنةُ الكفارَ ليعذبوهم فيها، { للطاغين مآباً }: نعت لمرصاد، أي: كائناً للطاغين مرجعاً يرجعون إليه لا محالة، { لابثين فيها } ، ماكثين فيها، وهو حال مُقدَّرة من المستكن في الطاغين.

السابقالتالي
2 3