الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ نَجْعَلِ ٱلأَرْضَ مِهَٰداً } * { وَٱلْجِبَالَ أَوْتَاداً } * { وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً } * { وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً } * { وَجَعَلْنَا ٱلَّيلَ لِبَاساً } * { وَجَعَلْنَا ٱلنَّهَارَ مَعَاشاً } * { وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً } * { وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً } * { وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلْمُعْصِرَاتِ مَآءً ثَجَّاجاً } * { لِّنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً } * { وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً }

يقول الحق جلّ جلاله: { ألم نجعل الأرضَ مِهاداً } أي: بساطاً وفراشاً، فرشناها لكم حتى سكنتموها. وقُرىء " مَهْداً " تشبيهاً لها بمهد الصبي، وهو ما يمهّد له لينام عليه، تسمية للممهود بالمصدر. ولمّا أنكروا البعث قيل لهم: ألم يَخلُق مَن أضيف إليه البعث هذه الخلائق العجيبة، فلِمَ تُنكرون قدرته على البعث؟ وما هو إلا اختراع مثل هذه الاختراعات، أو: قيل لهم: لِمَ فعل هذه الأشياء، والحكيم لا يفعل شيئاً عبثاً، وإنكارُ البعث يؤدّي إلى أنه عابث في كل ما فعل؟ ومن هنا يتضح أنَّ الذي وقع عنه التساؤل هو البعث، لا القرآن أو نبوة النبي صلى الله عليه وسلم كما قيل. والهمزة للتقرير. والالتفات إلى الخطاب على القراءة المشهورة للمبالغة في الإلزام والتبكيت. { والجبالَ أوتاداً } للأرض، لئلا تميد بكم، فأرساها بها كما يُرسى البيت بالأوتاد، { وخلقناكم أزواجاً } ذكراً وأنثى، ليسكن كل من الصنفين إلى الآخر، وينتظم أمر المعاشرة والمعاش، ويتيسر التناسل. وقيل: خلقناكم أصنافاً وأنواعاً في ألوانكم وصوركم وألسنتكم، وهو عطف على المضارع المنفي، داخل في حكم التقرير، فإنه في قوة: إنما جعلنا الأرض.. الخ. { وجعلنا نَومكم سُباتاً } أي: راحة لكم، أو: قطعاً للأعمال والتصرُّف، فتريحون أبدانكم به من التعب. والسبْت: القطع. أو: موتاً لِما بينهما من المشاكلة التامة في انقطاع أحكام الحياة، وعليه قوله تعالى:وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِالَّيْلِ } [الأنعام:60] وقوله:اللهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا } [الزمر:42]. { وجعلنا الليلَ لباساً } يستركم بظلامه، كما يستركم اللباس، شبّهه بالثياب التي تلبس، لأنه يستر عن العيون، وقيل: المراد به ما يستتر به عند النوم من اللحاف ونحوه. { وجلعنا النهارَ معاشاً } أي: وقت حياة تتمعشون فيه من نومكم، الذي هو أخو الموت، كقوله:وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُوراً } [الفرقان:47] أي: تنتشرون فيه من نومكم، أو تطلبون فيه معاشكم، وتتقلبون في حوائجكم، على حذف مضاف، أي: ذا معاش. { وبنينا فوقكم سَبْعاً شِداداً } أي: سبع سموات، قوية الخلق، محكمة البناء، لا يؤثّر فيها مرّ الدهور، ولا المرور والكرور. والتعبير عنها بالبناء مبني على تنزيلها منزلة القبة المضروبة على الخلق، وهو يؤيد كونها الأفلاك المحيطة. { وجعلنا } فيها { سِراجاً وهَّاجاً } أي: مضيئاً وقّاداً، أي: جامعاً للنور والحرارة، وهو الشمس، والوهَّاج: الوقّاد المتلألىء، من: وهجت النار إذا أضاءت، أو البالغ في الحرارة، من: الوهج، وهو الحر. والتعبير عنها بالسراج مناسب للتعبير عن السموات بالبناء، فالدنيا بيت وسراجه الشمس بالنهار والقمر والنجوم بالليل. والجعل هنا بمعنى الإنشاء والإبداع، كالخلق، غير أنَّ الجعل مختص بالإنشاء التكويني، وفيه معنى التقدير والتسوية. { وأنزلنا من المُعْصِرات } أي: السحاب إذا أعصرت، أي: شارفت أن يعصرها الرياح فتمطر، ومنه: أعصرت الجارية: إذا دنت أن تحيض، والرياح: إذا حان لها أن تعصر السحاب، وقد جاء: أنَّ الله تعالى يبعث الرياح، فتحمل الماء إلى السحاب فتعصره كما يعصر الماء من الجفافة، أي: أنزلنا من السحاب { ماءً ثَجَّاجاً } أي: منصباً بكثرة، يقال: ثج الدم، أي: أساله، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم:

السابقالتالي
2