الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً } * { وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً } * { عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوۤاْ أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً } * { إِنَّ هَـٰذَا كَانَ لَكُمْ جَزَآءً وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً }

يقول الحق جلّ جلاله: { ويطوفُ عليه ولدان } أي: غلمان ينشئهم اللهُ لخدمة المؤمنين. أو: ولدان الكفرة يجعلهم الله تعالى خدماً لأهل الجنة. { مخلَّدون } لا يموتون، أو: دائمون على ما هم عليه من الطراوة والبهاء، { إِذا رأيتهم حَسِبْتَهُم لؤلؤاً منثوراً } لحُسْنهم، وصفاء ألوانهم، وإشراق وجوههم، وانبثاثِهم في مجالسهم ومنازلهم. وتخصيص المنثور لأنه أزين في المنظر من المنظوم. { وإِذا رأيتَ ثَمَّ } أي: وإذا وقعت منك رؤية هناك، فـ " رأيت " هنا: لازم، ليس له مفعول لا ملفوظ ولا مُقدّر، بل معناه: أنَّ بصرك أينما وقع في الجنة { رأيتَ نعيماً } عظيماً { ومُلكاً كبيراً } أي: هنيئاً واسعاً. وفي الحديث: " أَدْنَى أهل الجنةِ منزلاً مَن ينظرُ في مُلكه مَسيرة ألف عام، ويَرَى أقصاهُ كما يرى أدناه " ، وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم: " إنَّ أدنى أهل الجنة منزلاً الذي يركبُ في ألف ألف من خَدَمه من الولدان، على خيل من ياقوت أحمر، لها أجنحة من ذهب " ، ثم قرأ عليه السلام: { وإذا رأيت ثَمَّ... } إلخ. وقيل: مُلكاً لا يعقبه زوال، وقال الترمذي: مُلك التكوين، إذا أرادوا شيئاً كان هـ. وقيل: تستأذن عليهم الملائكة استئذان الملوك. رُوي: إنَّ الملائكة تأتيهم بالتُحف، فتستأذن عليهم، حاجباً بعد حاجب، حتى يأذن لهم الآخر، فيدخلون عليهم من كل باب بالتُحف والتحية والتهنئة. هـ. ثم وصف لباس أهل الجنة فقال: { عَالِيَهُم ثِيَابُ سُندُسٍ } فمَن نصبه جعله حالاً من الضمير في " يطوف عليهم " أي: يطوف عليهم ولدان عالياً للمطوف عليهم ثيابُ سندس، ومَن قرأه بالسكون فمبتدأ، و " ثياب " خبر، أي: الذي يعلوهم من لباسهم ثياب سندس، وهو رقيق الديباج، { خُضْرٌ } جمع أخضر، { وإِستَبرقٌ } غليظ الديباج، فمَن رفعهما حملهما على الثياب، ومَن جَرَّهما فعلى سندس. { وحُلُّوا أساوِرَ من فضةٍ } وفي سورة الملائكة:يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً } [فاطر:33]، والجمع بينهما: بأنه يجمع في التحلية بينهما. قال ابن المسيب: لا أحدٌ من أهل الجنة إلاّ وفي يده ثلاثة أسْوِرة، واحد من فضة، وآخر من ذهب، وآخر من لؤلؤ أو: يختلف ذلك باختلاف الأعمال، فبعضهم يُحلّى بالفضة، وبعضهم بالذهب، وبعضهم باللؤلؤ. { وسقاهم ربُّهم } ، أضيف إليه تعالى للتشريف والتخصيص، وقيل: إنَّ الملائكة يعرضون عليهم الشراب، فيأبون قبولَه منهم ويقولون: قد طال أخْذُنا مِن الوسائط، فإذا هم بكاساتٍ تُلاقِي أفواههم بغير أكفٍّ من غيبٍ إلى عَبْدٍ. هـ. قلت: ولعل هؤلاء كانوا محجوبين في الدنيا، وأمّا العارفون فالوسائط محذوفة في نظرهم مع وجودنا. فيسقيهم { شراباً طهوراً } أي: ليس برجْسٍ كخمر الدنيا، لأنَّ كونها رجساً بالشرع لا بالعقل، أو: لأنه لم يعصر فتمسه الأيدي الوضِرة، وتدوسه الأرجل الوسخة، والوضر: الوسخ.

السابقالتالي
2 3