الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ } * { وَلاَ أُقْسِمُ بِٱلنَّفْسِ ٱللَّوَّامَةِ } * { أَيَحْسَبُ ٱلإِنسَانُ أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ } * { بَلَىٰ قَادِرِينَ عَلَىٰ أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ } * { بَلْ يُرِيدُ ٱلإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ } * { يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ ٱلْقِيَامَةِ } * { فَإِذَا بَرِقَ ٱلْبَصَرُ } * { وَخَسَفَ ٱلْقَمَرُ } * { وَجُمِعَ ٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ } * { يَقُولُ ٱلإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ ٱلْمَفَرُّ } * { كَلاَّ لاَ وَزَرَ } * { إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ ٱلْمُسْتَقَرُّ } * { يُنَبَّأُ ٱلإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ } * { بَلِ ٱلإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ } * { وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ }

يقول الحق جلّ جلاله: { لا أُقسم } أي: أُقسم. وإدخال " لا " النافية على فعل القسم شائع، كإدخاله على المقسم به في " لا وربك " و " لا والله " ، وفائدتها: توكيد القسم، وقيل: صلة، كقوله:لِئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ } [الحديد:25] وقيل: هي نفي وَرَدَ لكلام معهود قبل القسم، كأنهم أنكروا البعث، فقيل: لا، أي: ليس الأمر كذلك، ثم قال: أُقسم { بيوم القيامة } إنَّ البعث لواقع. وأيًّا ما كان ففي الإقسام على تحقيق البعث بيوم القيامة من الجزالة ما لا يخفى. وقيل: أصله: لأُقسم، كقراءة ابن كثير على أنَّ اللام للابتداء، و " أٌقسم ": خبر مبتدأ مضمر، أي: لأنا أُقسم، ويُقويه أنه في الإمام بغير ألف ثم أشبع فجاء الألف. { ولا أٌقسم بالنفس اللوّامة } ، الجمهور على أنه قسم آخر، وقال الحسن: الثانية نفي، أي: أُقسم بيوم القيامة لا بالنفس اللوّامة، فيكون ذمًّا لها، وعلى أنه قسم يكون مدحاً لها، أي: أقسم بالنفس المتقية، التي تلوم صاحبها على التقصير، وإن اجتهدت في الطاعة. أو: بالنفس المطمئنة اللائمة للنفس الأمّارة، وقيل: المراد الجنس، لِما رُوي أنه عليه السلام قال: " مَا مِنْ نَفْسٍ بَرَّةٍ ولا فَاجِرَةٍ إِلاَّ وتلُومُ نفسها يوم القِيامَة، إنْ عَملت خَيْراً، قالت: كيف لم أزدْ؟! وإِنْ عملت شرًّا قالت: ليتني كُنتُ قصرتُ " وذكره الثعلبي من كلام البراء: قال أبو السعود: ولا يخفى ضعفه لأنِّ هذا القدر من اللوم لا يكون مدراراً للإعظام بالإقسام، وإن صدَر عن النفس المؤمنة المحسنة، فكيف من الكافرة المندرجة تحت الجنس، وقيل: بنفس آدم عليه السلام فإنها لا تزال تتلوَّم على فعلها الذي خرجت به من الجنة. وجواب القسم: لتُبعثنّ، دليله: { أيَحْسَبُ الإِنسانُ } أي: الكافر المنكرِ للبعث { ألَّن نجمعَ عِظامه } بعد تفرّقها ورجوعها عظاماً رفاتاً مختلطاً بالتراب، أو: نسفَتْها الرياح وطيَّرتها في أقطار الأرض، أو: ألقتها في البحار. وقيل: إنَّ عَدِيّ بن ربيعة، خَتنَ الأخنس بن شريق، وهما اللذان قال فيهما النبي صلى الله عليه وسلم: " اللهم اكفني جارَيْ السوء، عَدياً والأخنس " قال ـ عَدِيّ ـ: يا محمد، حدِّثنا عن يوم القيامة متى يكون، وكيف أمرها وحالها؟ فأخبره عليه السلام، فقال: يا محمد لو عاينتُ ذلك لم أصدقك، ولم أُومِنْ بك، أَوَيجمعُ الله هذه العظام؟ فنزلت. { بلى } أي: نجمعها حال كوننا { قادرين على أن نُسَوّي بنانه } أي: أصابعه كما كانت في الدنيا بلا انفصال ولا تفاوت مع صغرها، فكيف بكبار العِظام؟! { بل يريد الإِنسانُ لِيَفجُر أمامه }: عطف على { أيحسب } إمّا على أنه استفهام توبيخي، أضرب عن التوبيخ بذلك إلى التوبيخ بهذا، أو: على أنه إيجاب انتقل إليه عن الاستفهام، أي: بل يريد ليدوم على فجوره فيما بين يديه من الأوقات،وما يستقبله من الزمان، لا يرعوي عنه.

السابقالتالي
2 3 4