الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً } * { وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَّمْدُوداً } * { وَبَنِينَ شُهُوداً } * { وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيداً } * { ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ } * { كَلاَّ إِنَّهُ كان لآيَاتِنَا عَنِيداً } * { سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً } * { إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ } * { فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ } * { ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ } * { ثُمَّ نَظَرَ } * { ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ } * { ثُمَّ أَدْبَرَ وَٱسْتَكْبَرَ } * { فَقَالَ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ } * { إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ قَوْلُ ٱلْبَشَرِ } * { سَأُصْلِيهِ سَقَرَ } * { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ } * { لاَ تُبْقِي وَلاَ تَذَرُ } * { لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ } * { عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ }

يقول الحق جلّ جلاله: { ذَرْنِي ومَنْ خلقتُ } أي: كِلْ أمره إليَّ فأنا أكفيك أمره، وهو الوليد بن المغيرة، وقوله: { وحيداً }: حال من عائد الموصول، أي: خلقته منفرداً، لا مال له ولا ولداً، أو من الياء، أي: ذرني وحدي معه، فأنا أكفيكه، أو من التاء، اي: خلقته وحدي ولم يشاركني في خلقه أحد، والأول أنسب بقوله: { وجعلتُ له مالاً ممدوداً } مبسوطاً كثيراً، أو ممدوداً بالنماء، وكان له الزرع والضرع والتجارة، وعن مجاهد: له مائة ألف دينار، وكان له أرض بالطائف، لا تنقطع ثمارها صيفاً وشتاءً، { وبنينَ شُهوداً } حضوراً معه بمكة لغناهم، يتمتع بشهودهم، لا يفارقونه لعمل، لكونهم مكُفيين، أو حضوراً في الأندية والمحامل لوجاهتهم، واعتيادهم، وكانوا عشرة، وقيل: ثلاثة عشر، وقيل: سبعة، كلهم رجال، الوليد بن الوليد، وخالد، وعمار ة، وهشام، والعاصي، وقيس، وعبد شمس، أسلم منهم خالد وهشام وعمارة، وجعل السهيلي بدل عمارة الوليدَ بن الوليد، وهو الصحيح، وفيه قال عليه السلام: " اللهم أنج الوليد بن الوليد " حين كان يُعذّب بمكة على الإسلام، والوليد هذا كان سبب إسلام أخيه خالد، وكان خالد فارًّا منه صلى الله عليه وسلم، فسمع الوليدُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: " لو أتانا لأكرمناه " ، فكتب إليه، فوقع الإسلام في قلبه، وسمّاه سيفاً من سيوف الله، به فتح الله كثيراً من البلدان، وأما عُمارة فذكر غيرُ واحد أنه مات مشركاً عند النجاشي، ويروى أنَّ النجاشي قتله بسبب اختلافه إلى زوجته، ووشى به عَمْرُو بن العاص، كما ذكره الطيبي. انظر المحشي. { ومَهَّدتُ له تمهيداً } أي: بسطت له الجاه العريض، والرياسة، حتى كان يُلقَّب ريحانة قريش، فأتممت عليه نعمتَي الجاه والمال، واجتماعهما هو الكمال عند أهل الدنيا، { ثم يطمعُ أن أزيدَ } على ما أوتيه من المال والولد والجاه من غير شكر، وهور استبعاد واستنكارٌ لطمعه وحرصه. وعن الحسن: يطمع أن أزيده الجنة، فأعطيه فيها مالاً وولداً، كما قال العاصي:لأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَدًا } [مريم:77]، وكان من فرط جهله يقول: إن كان محمد صادقاً فما خُلقت الجنة إلاَّ ليَ. { كلاَّ }: ردع وزجر عن طمعه الفارغ، وقطع لرجائه الخائب، أي: لا نجمع له بعد اليوم بين الكفر والمزيد من النِّعم، فلم يزل بعد نزول الآية في نقصان من المال والجاه، وانتكاس، حتى هلك، { إِنه كان لآياتنا } القرآن { عنيداً } معانداً جاحداً، وهو تعليل للردع على وجه الاستئناف، كأنّ قائلاً قال: لِمَ لا يُزاد؟ فقال: إنه عاند آيات المنعِم، مع وضوحها، وكَفَرَ نعمته مع سُبُوغها، وهو مما يوجب حرمانها بالكلية، مع أن ما أوتيه إنما هو استدراج يوجب مزيد العذاب، كما قال تعالى: { سأُرهقه صَعوداً } سأُغشيه بدل ما يطمعه من الجنة عقبة شاقة المصْعد، وهو مثل لِما يلقى من العذاب الصعب الذي لا يُطاق، وفي الحديث:

السابقالتالي
2 3