الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَذَرْنِي وَٱلْمُكَذِّبِينَ أُوْلِي ٱلنَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً } * { إِنَّ لَدَيْنَآ أَنكَالاً وَجَحِيماً } * { وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ وَعَذَاباً أَلِيماً } * { يَوْمَ تَرْجُفُ ٱلأَرْضُ وَٱلْجِبَالُ وَكَانَتِ ٱلْجِبَالُ كَثِيباً مَّهِيلاً } * { إِنَّآ أَرْسَلْنَآ إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ كَمَآ أَرْسَلْنَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ رَسُولاً } * { فَعَصَىٰ فِرْعَوْنُ ٱلرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيلاً } * { فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ ٱلْوِلْدَانَ شِيباً } * { ٱلسَّمَآءُ مُنفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً } * { إِنَّ هَـٰذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلاً }

يقول الحق جلّ جلاله: { وَذَرْنِي والمكذِّبينَ } أي: دعني وإيّاهم وكِلْ أمرَهم إليّ، فإني أكفيكهم، والمراد رؤساء قريش، و " المكذِّبين ": مفعول معه، أو: عطف على الياء. { أُولِي النَّعْمَةِ } أي: أرباب التنعُّم وهم صناديد الكفرة، فالنَّعمة بالفتح: التنعُّم، وبالكسر: ما يتنعّم به، وبالضم: المسرة. { ومَهِّلْهُمْ قليلاً } أي: إمهالاً قليلاً، أو زمناً قليلاً إلى يوم بدر، أو يوم القيامة. { إنَّ لَدَيْنا } للكافرين يوم القيامة، { أنكالاً } قيوداً ثِقالاً، جمع نِكْل، { وجَحيماً } ناراً محرقة { وطعاماً ذا غُصَّةٍ } الذي ينشب في الحلوق فلا يُساغ، يعني: الضريع والزقوم. { وعذاباً أليماً } مؤلماً يخلص وجعه إلى القلب. رُوي أنه صلى الله عليه وسلم قرأ الآية فصعق، وعن الحسن: أنه أمْسى صائماً، فأُتي بطعام، فعرضت له هذه الآية، فقال: ارفعه، ووُضع عنده الليلة الثانية فعرضت له، فقال: ارفعه، وكذلك الليلة الثالثة، فأخبر ثابت البناني وغيره، فجاؤوا، فلم يزالوا به، حتّى شرب شربةً من سَّوِيق. وهذا العذاب واقع { يَوْمَ ترجُف الأرضُ والجبالُ } أي: تتحرّك حركةً شديدة مع صلابتها وارتفاعها، فالظرف منصوب بما في " لدينا " من معنى الفعل، أي: استقر للكفار كذا وكذا يوم ترجف...الخ. { وكانت الجبالُ كَثِيباً } رملاً مجتمعاً. من: كثب الشيء إذ جمعه، كأنه فعيل بمعنى مفعول. { مَّهِيلاً } سائلاً بعد اجتماعه. { إنَّا أرسلنا إِليكم } يا أهل مكة { رسولاً } وهو محمد صلى الله عليه وسلم { شاهداً عليكم } يشهد يوم القيامة بما صدر منكم من الكفر والعصيان، { كما أرسلنا إِلى فرعون رسولاً } وهو موسى عليه السلام، { فعصى فرعونُ الرسولَ } الذي أرسلنا إليه، أي: عصى ذلك الرسول لأنَّ النكرة إذا أعيدت معرفة كانت عين الأولى. ومحل الكاف النصب على أنها صفة لمصدر محذوف، أي: أرسلنا إليكم رسولاً فعصيتموه، كما يُعرب عنه قوله تعالى: { شاهداً } إرسالاً كائناً كإرسال موسى لفرعون، فعصاه، { فأخذناه أخذاً وَبيلاً } شديداً غليظاً. وإنما خص موسى وفرعون لأنَّ خبرهما كان منتشراً بين أهل مكة لأنهم كانوا جيران اليهود. { فكيف تتقون إِن كفرتم } أي: بقيتم على كفركم { يوماً } أي: عذاب يوم { يجعلُ الوِلْدان } من شدة هوله، وفظاعة ما فيه من الدواهي { شِيباً } جمع أشيب، أي: شيوخاً، إمّا حقيقة، أو تمثيلاً، وذلك أنَّ الهموم والأحزان إذا تفاقمت على المرء ضعفت قواه وأسرع فيه الشيب، فإذا قلنا: هو من باب التمثيل، يكون كقولهم في اليوم الشديد: يوم تشيب فيه نواصي الأطفال، وإذا قلنا حقيقة فلعله ممن بلغ الحلم، وصَحِبه تفريط، وهذا الوقت الذي يُشيب الولدان هو حين يُقال لآدم عليه السلام: " أخْرِج بعثَ النار من ذريتك... " الحديث، فـ " يوماً " مفعول بكفرتم، أي: جحدتم، أو: بـ " تتقون " ، أي: كيف تتقون عذاب يوم كذا إن كفرتم بالله، أو: ظرف، أي: فكيف لكم التقوى في يوم القيامة إن كفرتم في الدنيا، و " يجعل " صفة ليوم، والعائد محذوف، أي: فيه.

السابقالتالي
2