الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلْمُزَّمِّلُ } * { قُمِ ٱلَّيلَ إِلاَّ قَلِيلاً } * { نِّصْفَهُ أَوِ ٱنقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً } * { أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ ٱلْقُرْآنَ تَرْتِيلاً } * { إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً } * { إِنَّ نَاشِئَةَ ٱللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْأً وَأَقْوَمُ قِيلاً } * { إِنَّ لَكَ فِي ٱلنَّهَارِ سَبْحَاً طَوِيلاً } * { وَٱذْكُرِ ٱسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً } * { رَّبُّ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَٱتَّخِذْهُ وَكِيلاً } * { وَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَٱهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً }

يقول الحق جلّ جلاله: { يا أيها المزَّمِّلُ } أي: المتزمّل، وهو الذي تزمّل في ثيابه، أي: التفّ بها، بإدغام التاء في الزاي. قال السهيلي: المزمّل: اسم مشتق من الحال التي كان عليها صلى الله عليه وسلم حين الخطاب، وكذلك المُدَّثِر. وفي خطابه بهذا الاسم فائدتان: إحداهما الملاطفة فإنّ العرب إذا قصدت ملاطفةَ المخاطَب، وتَرْكَ عتابه، سَمَّوه باسم مشتق من حالته، كقوله صلى الله عليه وسلم لعليّ حين غاضب فاطمة: " قم أبا تراب " إشعاراً له أنه غير عاتب عليه، وملاطفةَ له. والفائدة الثانية: التنبيه لكل متزمّل، راقد ليله، لينتبه إلى قيام الليل وذكرِ الله فيه لأنّ الاسم المشتق من الفعل يشترك فيه المخاطَب، وكل مَن عمل بذلك العمل، واتصف بتلك الصفة. هـ. وكان صلى الله عليه وسلم ذات ليلة متزمِّلاً في ثيابه نائماً، فنزل جبريل يأمره بقيام الليل بقوله: { قَمْ الليلَ } أي: قُم للصلاة بالليل، فـ " الليل " نصب على الظرفية، و { إلاَّ قليلاً }: استثناء من الليل، و { نِصْفَه }: بدل من " الليل " الباقي بعد الثنيا، بدل الكل، أي: قُم نصفه، أو: مِن " قليلاً " ، والتعبير عن النصف المخرج بالقليل لإظهار كمال الاعتداد بشأن الجزاء المقارن للقيام، والإيذان بفضله، وكون القيام فيه بمنزلة القيام في أكثره في كثرة الثواب. { أو انقُصْ منه } من النصف نقصاً { قليلاً } إلى الثلث، { أو زِدْ عليه } ، على النصف إلى الثلثين، فالمعنى: تخييره صلى الله عليه وسلم بين أن يقوم نصفَه أو أقلّ منه أو أكثر. وقيل: " نصفه " بدل من " الليل " ، و " إلاّ قليلاً " مستثنى من النصف، فالضمير في " منه " و " عليه " للنصف، والمعنى: التخيير بين أمرين، بين أن يقوم أقل من نصف على البت، وبين أن يختار أحد الأمرين، وهما النقصان من النصف، والزيادة عليه، والذي يليق بجزالة التنزيل هو الأول. أنظر أبا السعود. والجمهور: أن الأمر هنا للندب، وقيل: كان فرضاً وقت نزول الآية، وقيل: كان فرضاً على النبي صلى الله عليه وسلم خاصة، وبقي كذلك حتى تُوفي. { وَرَتِّلِ القرآن } في أثناء قيامك بالليل، أي: اقرأه على تُؤدة وتبيين حروفٍ ترتيلاً بليغاً بحيث يتمكن السامع مِن عَدٍّها، من قولهم: ثغر رَتَل: إذا كان مفلّجاّ. وترتيلُ القرأن واجب، فمَن لم يرتِّله فهو آثم إذا أخلَّ بشيء من أداء التجويد، كترك الإشباع أو غيره. والمقصود من الترتيل: تدبُّر المعاني، وإجالة الفكر في أسرار القرآن. قال في الإحياء: واعلم أنّ الترتيل أشد تأثيراً في القلب من الهذرمة والاستعجال، والمقصود من القرآن: التفكُّر، والترتيلُ مُعين عليه.

السابقالتالي
2 3 4