الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ ٱسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ ٱلْجِنِّ فَقَالُوۤاْ إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً } * { يَهْدِيۤ إِلَى ٱلرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشرِكَ بِرَبِّنَآ أَحَداً } * { وَأَنَّهُ تَعَالَىٰ جَدُّ رَبِّنَا مَا ٱتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلاَ وَلَداً } * { وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى ٱللَّهِ شَطَطاً } * { وَأَنَّا ظَنَنَّآ أَن لَّن تَقُولَ ٱلإِنسُ وَٱلْجِنُّ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } * { وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ ٱلإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ ٱلْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً } * { وَأَنَّهُمْ ظَنُّواْ كَمَا ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَبْعَثَ ٱللَّهُ أَحَداً }

قلت: قد أجمعوا على فتح أنه لأنه نائب فاعل " أوحى " ، ووَأَلَّوِ ٱسْتَقَامُواْ } [الجن:16] ووَأَنَّ ٱلْمَسَاجِدَ } [الجن:18] للعطف على { أنه استمع } فـ " أن " مخففة، وأَن قَدْ أَبْلَغُواْ } [الجن:28] لتعدّي " يعلم " إليها، وكسر ما بعد فاء الجزاء، وبعد القول، نحو:فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ } [الجن:23] و { قالوا إنّا سمعنا } لأنه مبتدأ محكي بعد القول. واختلفوا في فتح الهمزة وكسرها من { أنه تعالى جَدٌ ربنا } إلى: { وأنَّا منا المسلمون } ، ففتحها الشامي والكوفيّ [غير] أبي بكر عطفاً على { أنه استمع } ، أو على محلّ الجار والمجرور في { آمنا به } تقديره: صدّقناه وصدّقنا أنه تعالى جدّ ربنا { وأنه كان يقول سفيهنا... } إلى آخره، وكسرها غيرُهم عطفاً على { إنّا سمعنا } ، وهم يقفون على آخر الآيات. يقول الحق جلّ جلاله: { قل } يا محمد لأمتك: { أُوحي إِليَّ أنه استمع } أي: الأمر والشأن استمع للقرأن { نفر من الجن } ، وهم جن نصيبين، كما تقدّم في الأحقاف، وكانوا متمسكين باليهودية. والنفر ما بين الثلاثة والعشرة. والجن عاقلة خفية، يغلب عليهم الناري والهوائية، وقيل: روح من الأرواح المجرّدة. وفيه دلالة على أنه صلى الله عليه وسلم لم يشعر بهم وباستماعهم، ولم يقرأ عليهم، وإنما اتفق حضورهم في بعض أوقات قراءته، فسمعوها، فأخبره الله تعالى بذلك، فهذه غير الحكاية التي حضر معهم، ودعاهم، وقرأ عليهم سورة الرحمن، كما في حديث ابن مسعود. { فقالوا } أي: المستمِعون حين رجعوا إلى قومهم: { إِنَّا سمعنا قرآناً } كتاباً { عجباً } بديعاً، مبايناً لكلام الناس في حُسن النظم ورقّة المعنى. والعجب: ما يكون خارجاً عن العادة، وهو مصدر وصف به للمبالغة. { يهدي إِلى الرُّشْد } إلى الحق والصواب، { فآمنّا به } أي: بذلك القرآن، ولمَّا كان الإيمان به إيماناً بالله وتوحيده، وبراءةً من الشرك، قالوا: { ولن نُشْرِكَ بربنا أحداً } من خلقه، حسبما نطق به ما فيه من دلائل التوحيد، ويجوز أن يكون الضمير في " به " لله تعالى لأنَّ قوله: بربنا يُفسّره. { وأنه تعالى جَدُّ ربِّنا } أي: ارتفع أو تنَزّه عظمة ربنا، أو سلطانه أو غناه، يُقال: جَدّ فلان في عيني إذا عَظُم ومنه قول عمر: كان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جَدَّ في عيننا، أي: عظم في عيوننا، { ما اتخذَ صاحبةً } زوجة { ولا ولداً } كما يقول كفار الجن والإنس، والمعنى: وصفوه بالاستغناء عن الصاحبة والولد لعظمته وسلطانه، أو لغناه، وقُرىء " جَدًّا " على التمييز، أي: أنه تعالى ربنا جَداً، وقُرىء بكسر الجيم أي: تنزّه صِدق ربوبيته، وحق إلهيته عن اتخاذ الصاحبة والولد، وذلك أنهم لمَّا سمعوا القرآن، واهتدوا للتوحيد والإيمان، تنبّهوا للخطأ فيما اعتقده كفرة الجن من تشبيهه تعالى بخلقه في اتخاذ الصاحبة والولد فاستعظموه ونزّهوه تعالى عنه.

السابقالتالي
2 3