الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ } * { لِّلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ } * { مِّنَ ٱللَّهِ ذِي ٱلْمَعَارِجِ } * { تَعْرُجُ ٱلْمَلاَئِكَةُ وَٱلرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ } * { فَٱصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً } * { إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً } * { وَنَرَاهُ قَرِيباً } * { يَوْمَ تَكُونُ ٱلسَّمَآءُ كَٱلْمُهْلِ } * { وَتَكُونُ ٱلْجِبَالُ كَٱلْعِهْنِ } * { وَلاَ يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً } * { يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ ٱلْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ } * { وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ } * { وَفَصِيلَتِهِ ٱلَّتِي تُؤْوِيهِ } * { وَمَن فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنجِيهِ } * { كَلاَّ إِنَّهَا لَظَىٰ } * { نَزَّاعَةً لِّلشَّوَىٰ } * { تَدْعُواْ مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّىٰ } * { وَجَمَعَ فَأَوْعَىٰ }

يقول الحق جلّ جلاله: { سأل سائل } ، قرأ نافع والشاميّ بغير همز، إمّا من السؤال، على لغة قريش، فإنهم يُسهّلون الهمز، أو مِن السّيلان، ويُؤيده أنه قُرىء " سَال سيْل " أي: سال وادٍ { بعذابٍ واقعٍ للكافرين } يوم القيامة، والتعبير بالماضي لتحقُّق وقوعه، أو في الدنيا، وهو عذاب يوم بدر، وقرأ الباقون بالهمز، من السؤال أي: طَلَبَ طالب، وهو النضر بن الحارث، حيث قال استهزاءً:إِن كَانَ هّذاَ هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ ٱلسَّمَآءِ } [الأنفال:32] وقيل: أبو جهل حيث قال:فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفاً مِنَ ٱلسَّمَآءِ } [الشعراء:187]، وقيل: هو الحارث بن النعمان الفهري، وذلك أنه لمّا بلغه قولَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في عَلِيّ: " مَن كنتُ مولاه فَعَلِيٌّ مولاه " ، قال: اللهم إن كان ما يقول محمد حقًّا فأَمْطِر علينا حجارةً من السماء، فما لبث حتى رماه الله بحَجَر، فوقع على دماغه، فخرج من أسفله، فهلك من ساعته. وقوله تعالى: { بعذاب } إذا كان " سال " من السيلان، فالباء على بابها، أي: سال واد بعذاب للكافرين، وإذا كان من السؤال فالباء بمعنى " عن " كقوله تعالى:فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً } [الفرقان:59] أي: سأل عن عذاب، أو ضَمَّن " سأل " معنى دعا، فعدّى تعديته، مِن قولك: دعا بكذا إذا استدعاه وطلبه، ومنه قوله تعالى:يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ } [الدخان:55] أي: دعا داع بعذابٍ واقع لا محالة، إما في الدنيا أو الآخرة، و " للكافرين ": صفة ثانية لعذاب، أي: بعذاب واقع حاصل للكافرين، أو متعلق بسَأل، أي: دعا للكافرين بعذاب واقع، { ليس له } أي: لذلك العذاب { دافع } راد { من الله }: متصل بواقع، أي: واقع من عند الله، أو بدافع، أي: ليس له دافع من جهته تعالى إذا جاء وقته، والجملة: صفة أخرى لعذاب، أو حال منه أو استئناف. { ذي المعارج } أي: ذي المصاعد، التي تصعد فيها الملائكة بالأوامر والنواهي، وهي السموات المترتبة بعضها فوق بعض، أو: ذي الفواضل العالية، أو معالي الدرجات، أو الدرجات التي يصعد فيها الكلم الطيب والعمل الصالح، أو: يرقى فيها المؤمنون في سلوكهم. { تعرُجُ الملائكةُ والرُّوحُ } أي: جبريل عليه السلام، أُفرد بالذكر لتميُّزه وفضله، أو الروح: خلقٌ من الملائكة هم حفظة على الملائكة، كما أنَّ الملائكة حفظةٌ علينا، أو: أرواح المؤمنين عند الموت، فإنها تعرج إلى سدرة المنتهى، فتُحاسَب، ثم تدخل الجنة لترى مقعدها، ثم ترجع للسؤال في القبر، وقوله تعالى: { إِليه } أي: إلى عرشه ومهبط أمره { في يوم كان مقدارُه خمسين ألفَ سنةٍ } مما يعده الناس، وهو بيان لغاية ارتفاع تلك المعارج وبُعد مداها، على منهاج التمثيل والتخييل.

السابقالتالي
2 3 4 5