الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَاقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَآءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُواْ ٱلْكَيْلَ وَٱلْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ } * { وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجاً وَٱذْكُرُوۤاْ إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ وَٱنْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُفْسِدِينَ } * { وَإِن كَانَ طَآئِفَةٌ مِّنكُمْ آمَنُواْ بِٱلَّذِيۤ أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَآئِفَةٌ لَّمْ يْؤْمِنُواْ فَٱصْبِرُواْ حَتَّىٰ يَحْكُمَ ٱللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ ٱلْحَاكِمِينَ } * { قَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يٰشُعَيْبُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ } * { قَدِ ٱفْتَرَيْنَا عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا ٱللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّعُودَ فِيهَآ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا ٱفْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِٱلْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْفَاتِحِينَ } * { وَقَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَئِنِ ٱتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ } * { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ } * { ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْباً كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْباً كَانُواْ هُمُ ٱلْخَاسِرِينَ } * { فَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يٰقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَـٰلَـٰتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ ءَاسَىٰ عَلَىٰ قَوْمٍ كَٰفِرِينَ }

يقول الحقّ جلّ جلاله: { و } أرسلنا { إلى مدين أخاهم شعيبًا } ، ومدين: قبيلة من أولاد مدين بن إبراهيم، شعيب بن ميكائيل بن يشجر بن مدين بن إبراهيم الخليل، على ما قيل. وقد تقدم في البقرة أن مدين ومدان من ولد إبراهيم عليه السلام، وشعيب هذا يسمى خطيب الأنبياء لحسن مراجعته قومه. { قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إلهِ غيره قد جاءتكم بينةٌ من ربكم } يريد المعجزة التي كانت له، وليس في القرآن بيان ما هي معجزته. وحمل الواحدي البينة على الموعظة. وقال في الكشاف: ومن معجزات شعيب: ما رُوِي من محاربة عصا موسى التنين، حين دفع إليه غنمه، وولادة الغنم الدرع خاصة، حين وعده أن يكون له الدرع من أولادها، ووقوع عصا آدم في يده في المرات السبع، وغير ذلك من الآيات. هـ. وفيه نظر لأن هذه وقعت بعد مقالته لقومه، وإنما كانت إرهاصات لموسى عليه السلام، وفي حديث البخاري: " مَا بَعَثَ الله نَبِيًّا إلاَّ وآتاهُ مَا مِثلُه آمَنِ عليه البشرُ، وإنما كَان الذي أُوتِيتُه وحيًا، وأرجوُ أن أكون أكَثَرهُم تابعًا يومَ القيامَةِ " وهو صريح في أنه لا بد من الآية لكل رسول، ولعل الله تعالى لم يذكر معجزة شعيب وهود في القرآن مع وجودها لظاهر الحديث. ثم قال لهم: { فأوفوا الكيلَ والميزانَ } ، وكانوا مطففين، أي: فأوفوا المكيال الذي هو آلة الكيل، أي: كبروها بدليل قوله: { والميزان } الذي هو الآلة، ويحتمل أن يريد بهما المصدر، أي الكيل والوزن. { ولا تَبخسوا الناس أشياءهم } أي: لا تنقصوهم حقوقهم، وإنما قال: { أشياءَهم } ، للتعميم تنبيهًا على أنهم كانوا يبخسون الجليل والحقير، والقليل والكثير، وقيل: كانوا مكَّاسين لا يدعون شيئًا إلا مكسوه. { ولا تُفسدوا في الأرض } بالكفر والظلم، { بعد إصلاحها } بإقامة الشرائع وظهور العدل، { ذلكم خيرٌ لكم إن كنتم مؤمنين } أي: ذلك الذي أمرتكم به ونهيتكم عنه هو خير لكم من إبقائكم على ما أنتم عليه، ومعنى الخيرية: الزيادة مطلقًا إذ لا خير فيما هم فيه، أو: في الإنسانية وحسن الأحدوثة وجمع المال. قاله البيضاوي. { ولا تقعُدُوا بكل صِراطٍ } أي: طريق { تُوعِدُون } من أراد الإيمان بالعقوبة، وكانوا يجلسون على الطرقات والمراصد، يقولون لمن يريد شعيبًا: إنه كذاب فلا يفتنك عن دينك ويوعدون من آمن، وقيل: كانوا يقطعون الطريق. { وتَصُدُّون عن سبيل الله } أي: تصدون الناس عن طريق الله، وهو الإيمان به وبرسوله، وهو الذي قعدوا لأجله في كل طريق، وقوله: { من آمن به } من أراد الإيمان به، أو من آمن حقيقة كانوا يصدونه عن العمل، { وتبغونها عِوَجًا } أي: وتطلبون لطريق الله عوجًا بإلقاء الشُّبَه فيها، أو بوصفها للناس بأنها مُعوَجَّة.

السابقالتالي
2 3