قلت: { أخاهم }: عطف على نوح، و { هودًا }: عطف بيان أو بدل، وكذلك { أخاهم صالحًا } وما بعده حيث وقع. يقول الحقّ جلّ جلاله: { و } أرسلنا { إلى } قبيلة { عادٍ أخاهم } أي: واحد من قبيلتهم، كقولهم: يا أخا العرب، فإنه هود بن عبدالله بن رباح بن الخلود بن عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح، وقيل: هو هود بن شالح بن أرفخشذ بن سام بن نوح، فهو ابن عم أبي عاد، وإنما أرسل إليهم منهم لأنهم أفهم لقوله، وأعرف بحاله، وأرغب في أتباعه، ثم وعظهم فقال: { يا قوم اعبدوا الله } وحده { ما لكم من إله غيره أفلا تتقون } عذاب الله، { قال الملأ الذين كفروا من قومه } ، كان قومه أحسن من قوم نوح، إذ كان من أشرافهم من آمن به كمرثد بن سعد، ولذلك قيد الملأ بمن كفر، بخلاف قوم نوح لم يكن أحد منهم آمن به، فأطلق الملأ، قالوا لهود عليه السلام: { إنا لنراك في سفاهة } أي: متمكنًا في خفة العقل، راسخًا فيها، حيث فَارَقتَ دين قومك، { وإنا لنظنك من الكاذبين } في ادعاء الرسالة. { قال يا قوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من ربّ العالمين أُبلغكم رسالاتِ ربي وأنا لكم ناصح أمين } ، يحتمل أن يريد أمانته على الوحي، أو أنهم كانوا قد عرفوه بالأمانة والصدق قبل الرسالة. ثم قال: { أوَ عجبتم } من { أن جاءكم ذِكرٌ من ربكم على رجل منكم لينذركم } ، تقدم تفسيرها. قال البيضاوي: وفي ذكر إجابة الأنبياء الكفرةَ عن كلماتهم الحمقاء بما أجابوا به والإعراض عن مقالتهم: كمال النصح والشفقة، وهضم النفس، وحسن المجادلة، وهكذا ينبغي لكل ناصح، وفي قوله: { وأنا لكم ناصح أمين }: تنبيه على أنهم عرفوه بالأمرين. هـ. ثم قال لهم: { واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح } في مساكنهم، أو خلفاء في الأرض من بعدهم بأن جعلكم ملوكًا، فإن شداد بن عاد ممن ملك معمورة الأرض، من رمل عالج إلى بحر عمان، خوفهم أولاً من عقاب الله، ثم ذكرهم بإنعامه { وزادكم في الخلق بسطة } أي: قامة وقوة، فكانوا عظام الأجساد، فكان أصغرهم: ستين ذراعًا، وأطولهم: مائة ذراع. { فاذكروا آلاء الله } أي: نعمه، تعميم بعد تخصيص، { لعلكم تفلحون } أي: لكي يفضي بكم ذكر النعم إلى شكرها المؤدي إلى الفلاح، ومن شكرها: الإيمان برسولهم. { قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده ونَذَرَ ما كان يعبد آباؤنا } من الأصنام، استبعدوا اختصاص الله بالعبادة والإعراض عما وجدوا عليه آباءهم انهماكًا في التقليد، وحبًا لما ألفوه مع اعترافهم بالربوبية، ولذلك قال لهم هود عليه السلام: { قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب } ، بعد أن قالوا: { فأْتنا بما تعدنا } من العذاب { إن كنت من الصادقين } فيه.