الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهُوَ ٱلَّذِي يُرْسِلُ ٱلرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّىٰ إِذَآ أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ ٱلْمَآءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ كَذٰلِكَ نُخْرِجُ ٱلْموْتَىٰ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } * { وَٱلْبَلَدُ ٱلطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَٱلَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً كَذٰلِكَ نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ }

قلت: نُشُرًا: حال من الرياح، وهو جمع نشور، بمعنى ناشر، ومن قرأ بسكون الشين، فهو تخفيف منه، ومن قرأ بفتح النون، فمصدر في موضع الحال، بمعنى: ناشرات، أو مفعول مطلق فإن الإرسال والنشر متقاربان، ومن قرأه بالباء وسكون الشين فهو جمع بشير، مخفف، وأقَلَّت: مشتق من القلة لأن الحامل للشيء يستقله، وثقالاً: جمع لأن السحاب جمع بمعنى السحائب. يقول الحقّ جلّ جلاله: { وهو الذي يرسل الرياح } أو الريح نُشْرًا أي: تنشر السحاب، وتفرقه إلى الأرض التي أراد الله أن تمطر، أو بشارة بالمطر، { بين يدي رحمته } أي: قبل نزول المطر، فهي قدامَه فإن الصبا تثير السحاب، والشمال تجمعه، والجنوب تذره، والدبور تُفرقه. قاله البيضاوي. { حتى إذا أقلَّت } أي: حملت { سحابًا ثِقالاً } بالماء لأنها تحمل الماء فتثقل به، { سُقناه } أي: السحاب بما اشتمل عليه من الماء، { لبلدٍ ميِّتٍ } أي: لإحيائه أو لسَقيه بعد يبسه، كأنه ميت، { فأنزلنا به } أي: بالبلد، أو بالسحاب، أو بالسوق، أو بالريح، { الماء } الذي في السحاب، { فأخرجنا به } أي: بالماء، { من كل الثمرات } من كل أنواعها وأصنافها، { كذلك نُخرج الموتى } من القبور، أي: كما نُحيي البلد بإحداث القوة النامية فيه وتطريتها بأنواع النبات والثمرات { كذلك نُخرج الموتى } من الأجداث ونحييها برد النفوس إلى مواد أبدانها بعد جمعها وتطريتها بالقُوى الحسية. قاله البيضاوي. وقال ابن جزي: هو تمثيل لإخراج الموتى من القبور بإخراج الزرع من الأرض، وقد وقع ذلك في القرآن في مواضع منها:كَذَلِكَ النُّشُورُ } [فَاطِر:9]، وكَذَلِكَ الْخُرُوجُ } [قَ:11]. هـ. { لعلكم تذكَّرون } فتعلمون أن من قدر على ذلك قدر على إحياء الموتى، إذ لا فرق. { والبلدُ الطيب } أي: الأرض الكريمة والتراب الجيد { يَخرج نباتُه } بسهولة، حسنًا قويًا نضرًا، { بإذن ربه } أي: بمشيئته وقدرته، { والذي خبُث } من الأرض كالحرة والسبخة، { لا يخرج إلا نَكِدًا } قليلاً عديم النفع، أو عسيرًا بمشقة، { كذلك نُصرِفَ الآيات } نُكررها ونُرددها { لقوم يشكرون } نعمة الله، فيتفكرون فيها، ويعتبرون بها. قال البيضاوي: والآية مثل لمن تدبر الآيات وانتفع بها، ولمن لم يرفع إليها رأسًا ولم يتأثر بها، ومثلُه في البخاري في حديث طويل. وقال ابن عباس وغيره: هو ضرب مثل للمؤمن والكافر. وقال ابن جزي: يحتمل أن يكون المراد ما يقتضيه ظاهر اللفظ، فتكون متممة للمعنى الذي قبلها في المطر، وأن تكون تمثيلاً للقلوب فالطيب: قلب المؤمن، والخبيث: قلب الكافر، وقيل: هما للفِهم والبليد. هـ. الإشارة: وهو الذي يرسل رياح الهداية، تنشر سحاب الواردات الإلهية والنفحات الربانية، بين يدي معرفته، أو تُبشر بها قبل وصولها، حتى إذا أقلت سحابًا ثقالاً بالعلوم اللدنية، سقناه لقلبٍ ميت بالجهل والهوى، فأنزلنا مما فيه من ماء ذلك الأمطار، فأخرجنا به من ثمرت العلوم وأزهار الحِكَم ونوار اليقين.

السابقالتالي
2