الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أُوْلَـٰئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ ٱلْكِتَابِ حَتَّىٰ إِذَا جَآءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوۤاْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا وَشَهِدُواْ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ }

يقول الحقّ جلّ جلاله: { فمن أظلمُ ممن افترى على الله كذبًا } بأن نسب إليه الولد والشريك، { أو كذَّب بآياته } التي جاءت بها الرسل من عنده، أي: لا أحد أظلم منه، أو تَقوَّل على الله ما لم يقله، وكذّب بما قاله، { أولئك ينالُهم نصيبُهم من الكتاب } أي: يلحقهم نصيبهم مما كتب في اللوح المحفوظ من الأرزاق والآجال، { حتى إذا } انقضت أعمارهم و { جاءتُهم رسلُنا يَتوفَّونهم } أي: يتوفون أرواحهم، { قالوا } لهم توبيخًا: { أين ما كنتم تدّعون من دون الله } أي: أين الآلهة التي كنتم تعبدونها من دون الله لتدفع عنكم العذاب؟ { قالوا ضلُّوا عنا } غابوا عنا { وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين } ، اعترفوا بأنهم كانوا ضالين فيما كانوا عليه، وندموا حيث لم ينفع الندم، وقد زلت بهم القدم. الإشارة: كل من أعرض عن خصوص أهل زمانه واشتغل بمتابعة حظوظه وهواه، ينال نصيبه من الدنيا الفانية وما قُسِم له فيها فإذا جاءت منيته ندم وتحسر، وقيل له: أين ما تمتعت به وشغلك عن مولاك؟ فيقول: قد غاب ذلك وفنى وانقضى، وكأنما كان برقًا سَرَى، أو طَيفَ كَرَى، والدهر كله هكذا لمن سدد نظرًا، وعند الصباح يحمد القوم السُّرَى، وستعلم، إذا انجلى الغبار، أفرس تحتك أم حمار. وقد قال صلى الله عليه وسلم في بعض خطبه: " لا تَخدَعَنَّكُم زخارفُ دُنيا دَنِيَّة، عن مَراتب جَنَّاتٍ عَالِية فكان قد كِشفَ القِناع، وارتفع الارتياب، ولاقى كل امرىءٍ مستقَرِّه، وعرف مثواه ومُنَقَلَبه " وفي حديث آخر: " مَن بدأ بَنَصِيبه من الدنيا فَاتَه نصيبُه من الآخرة، ولم يُدرك منها ما يريد، ومن بدأ بنصيبه من الآخرة، وصل إليه نصيبه من الدنيا، وأدرك من الآخرة ما يريد ". ثم ذكر عذاب أهل التكذيب، فقال: { قَالَ ٱدْخُلُواْ فِيۤ أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ }.