الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِيۤ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ ٱلرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } * { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ ٱلْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَٱلإِثْمَ وَٱلْبَغْيَ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } * { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ }

قلت: من قرأ: { خالصة } بالرفع، فخبر بعد خبر، أو خبر عن مضمر، ومن قرأ بالنصب، فحال. يقول الحقّ جلّ جلاله: { قل } لهم: { مَن حرَّم زينةَ اللهِ } وهي ما يتجمل به من الثياب وغيرها، { التي أخرج لعباده } من النبات كالقطن والكتان، أو الحيوان كالحرير والصوف والوبر، والمعادن كالدروع والحلي، { و } قل أيضًا: من حرم { الطيبات مِنَ الرزقِ } أي: المستلذات من المآكل والمشارب، ويدخل فيها المناكح إذ هي من أعظم الطيبات. وفيه دليل على أن الأصل في المطاعم والملابس وأنواع التجملات: الإباحة لان الاستفهام للإنكار، وبه رد مالك ـ رحمه الله ـ على من أنكر عليه من الصوفية، وقال له: اتق الله يا مالك بلغني أنك تلبس الرقيق، وتأكل الرقاق، فكتب إليه بالآية. قال تعالى: { قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا } ، ويشاركهم فيها الكفار، ويوم القيامة تكون { خالصة } لهم دون غيرهم، { كذلك نُفصّل الآياتِ } أي: كتفصيلنا هذا الحكم نُفصل سائر الأحكام { لقوم يعلمون } فينزلونها في محلها بخلاف الجهال. { قل إنما حرَّم ربي الفواحشَ } وهي ما تزايد قبحها من المعاصي، وقيل: ما يتعلق بالفروج، { ما ظهرَ منها وما بَطَنَ } أي: جهرها وسرها، أو ما يتعلق بالجوارح الظاهرة والعوالم الباطنية وهي القلوب، { والإثم } كقطع الرحم، أو عام في كل ذنب، { والبغيَ } وهو الظلم كقطع الطريق والغصب، وغير ذلك من ظلم العباد، أو التكبر على عباد الله وقوله: { بغير الحق }: تأكيد له في المعنى. { وأن تُشركوا الله ما لم يُنزل به سُلطانًا } أي: حجة على استحقاق العبادة، وهو تهكم بالمشركين، وتنبيهٌ على تحريم ما لم يدل عليه برهان. { وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون } من الإلحاد في صفاته، والافتراء عليه كقولهم:وَاللهُ أَمَرَنَا } [الأعراف:28]، ولَوْ شَآءَ اللهُ مَآ أَشْرَكْنَا } [الأنعَام:148]. { ولكل أمة أجل } أي: مدة ووقت لنزول العذاب بها إن لم يؤمنوا، وهو تهديد لأهل مكة، { فإذا جاء أجَلُهم } أي: انقرضت مدتهم، أو دنى وقت هلاكهم، { لا يستأخرون ساعةَ } عنه { ولا يستقدمون } أي: لا يتأخرون ولا يتقدمون عنه أقصَر وقت، أو لا يطيقون التقدم والتأخر لشدة الهول، وجعل بعضهم: { ولا يستقدمون } استئنافًا لأن الأجل إذا جاء لا يتصور التقدم، وحينئذٍ يوقف على: { ساعة } ، ثم يقول: ولا هم يستقدمون عنه قبل وصوله. الإشارة: قال شيخنا البوزيدي رضي الله عنه: زينة الله التي أظهر لعباده هي لباس المعرفة، وهو نور التجلي، والطيبات من الرزق هي حلاوة الشهود. هـ. وهي لمن كمل إيمانه وصِدقه في الحياة الدنيا، وتصفو له إلى يوم القيامة، فهي حلال على أهل التجريد يتمتعون بها في الدارين، وإنما حرّم عليهم ما يشغلهم عن ربهم من جهة الظاهر، وما يقطعهم عن شهوده من جهة الباطن، وسوء الأدب مع الله، والتعرض لعباد الله، والشرك بالله بأن يشهدوا معه سواه، وأن يقولوا على الله ما يوهم نقصًا أو خللاً في أنوار جماله وسناه.

السابقالتالي
2