الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱلَّذِي ۤ ءَاتَيْنَاهُ ءَايَاتِنَا فَٱنْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ ٱلشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ } * { وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى ٱلأَرْضِ وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ ٱلْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَٱقْصُصِ ٱلْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } * { سَآءَ مَثَلاً ٱلْقَوْمُ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُواْ يَظْلِمُونَ } * { مَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ }

قلت: أتبعه الشيطانُ: أدركه، يقال: أتبع القوم: لحقهم، ومنه:فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ } [يُونس:90]، أي: لحق بني إسرائيل. قاله في الأساس. يقول الحقّ جلّ جلاله: { واتلُ عليهم } على اليهود { نبأَ } أي: خبر { الذي آتيناه آيايِنا } علمًا بكتابنا، { فانسَلَخ منها } بأن كفر بها، وأعرض، { فأَتبعه الشيطانُ } فأدركه { فكان من الغاوين }. قال عبد الله بن مسعود: هو رجل من بني إسرائيل بعثه موسى عليه السلام إلى ملك مدين، داعيًا إلى الله، فرشاه الملكُ، وأعطاه المُلك على أن يترك دين موسى، ويُتابع الملكَ على دينه، ففعل وأضل الناس على ذلك. وقال ابن عباس: هو رجل من الكنعانيين، اسمه: " بلعم " ، كان عنده الاسم الأعظم، فلما أراد موسى قتل الكنعانيين، وهم الجبارون، سألوه أن يدعو على موسى باسم الله الأعظم، فأبى، فألحوا عليه حتى دعا ألا يدخل المدينة، ودعا موسى عليه. فالآيات التي أعطيها، على هذا: اسم الله الأعظم، وعلى قول ابن مسعود: هو ما علمه موسى من الشريعة. قيل: كان عنده من صحف إبراهيم. وقال عبد الله بن عمرو بن العاص: هو أمية بن أبي الصلت الثقفي، وكان قد أُوتي علمًا وحكمة، وأراد أن يُسلم قبل غزوة بدر، ثم رجع عن ذلك ومات كافرًا، وكان قد قرأ الكتب، وخالط الرهبان، وسمع منهم أن الله تعالى مرسِلٌ رسولاً في ذلك الزمان، فَرَجَا أن يكون هو، فلما بَعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم حسده، وقال: ما كنت لأؤمن لرسول من ثقيف. قال تعالى: { ولو شئنا لرفعناه } إلى منازل الأبرار { بها } أي: بسبب تلك الآيات وملازمتها، { ولكنه أخلد إلى الأرض } أي: مال إلى الدنيا وحطامها، أي: أخلد إلى أرض الشهوات، { واتبع هواه } في إيثار الدنيا واسترضاء قومه، أو صيانة رئاسته وجاهه. قال البيضاوي: وكان من حقه أن يقول: ولكنه أعرض عنها، فأوقع موقعه: { أخلد إلى الأرض واتبع هواه } مبالغةً وتنبيهًا على ما حمله عليه، وأن حب الدنيا رأس كل خطيئة. هـ. { فمثله } أي: فصفته التي هي مثلٌ في الخسة، { كمَثَل الكلب } أي: كصفته في أخس أحواله، وهو { إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث } أي: يلهث دائمًا، سواء حمل عليه بالزجر والطرد، أو ترك ولم يتعرض له، بخلاف سائر الحيوانات لضعف فؤاده، واللهث: إدلاع اللسان من التنفس الشدد، والمراد: لازم اللهث، وهو نفي الرفع ووضع المنزلة. قال ابن جزي: اللهث: هو تنفس بسرعة، وتحريك أعضاء الفم، وخروج اللسان، وأكثر ما يعتري ذلك الحيوانات عند الحر والتعب، وهي حالة دائمة للكلب، ومعنى " إن تحمل عليه ": أن تفعل معه ما يشق عليه، من طرد أو غيره، أو تتركه دون أن تحمل عليه، فهو يلهث على كل حال.

السابقالتالي
2 3