الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِيۤ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ شَهِدْنَآ أَن تَقُولُواْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـٰذَا غَافِلِينَ } * { أَوْ تَقُولُوۤاْ إِنَّمَآ أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلْمُبْطِلُونَ } * { وَكَذٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }

قلت: { من ظهورهم }: بدل من { بني آدم } ، أي: من ظهور بني آدم، و { ذريتهم }: مفعول به، و { بلى }: حرف جواب، يُجاب بها عن الهمزة إذا دخلت على منفي، فخرجت عن الاستفهام إلى التقرير، وهو حمل المخاطب على الإقرار بما بعد النفي، نحو:أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } [الشّرح:1]، فيجاب ببلى، أي: شرحت، وكذا نظائرها، ومنه: { إلست بربكم... } الآية. وقد يجاب بها الاستفهام المجرد عن النفي، كما في الحديث: " أتَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أهْلِ الجَنَّةِ؟ قالوا: بلى " ولكنه قليل، فلا يُقاس عليه، بل يوقف على ما سمع، والكثر: أنها جواب للنفي، ومعناها: إثبات ما نفي، ورفع النفي، لا إثباته وتقريره، بخلاف " نعم " فإنها تقرر ما قبلها من إثبات أو نفي، ولذا قال ابن عباس: ولو قالوا: نعم، لكفروا، وقد تقدم الفرق بينهما في سورة البقرة، ثم الكثير: مراعاة صورة النفي، فيجاب ببلى، وقد ينظر للمعنى وما يفيده الاستفهام الإنكاري من نفيه للنفي، فيصير الكلام إيجابًا، فيصح الجواب بنعم في الجملة، لكن لمَّا كان محتملاً امتنع في الآية: انظر المغني. وقوله: { أن تقولوا }: مفعول من أجله. يقول الحقّ جلّ جلاله: { و } اذكروا { إِذْ أخذ ربُّك من بني آدم من ظهورهم } من ظهور بني آدم { ذريَّتهم } وذلك أن الله تعالى لَمَّا خلق آدم، وأهبطه إلى الأرض، أخرج من صلبه نسيم بنيه، بعضهم من صلب بعض، على نحو ما يتوالدون، قرنًا بعد قرن كالذر، وكان آدم بنَعمان، وهو جبل يواجه عرفة، وقال لهم حين أخرجهم: { ألستُ بربكم }؟ فأقروا كلهم، و { قالوا بلى } أنت ربنا، { شهِدْنا } بذلك على أنفسنا، لأن الأرواح حينئذٍ كانت كلها على الفطرة، علاّمة دَرَّاكة، فلما ركبت في هذا القالب نسيت الشهادة، فبعث اللهُ الأنبياءَ والرسل يُذكِّرون الناس ذلك العهد، فمن أقرّ به نجا، ومن أنكره هلك، ويحتمل أن يكون ذلك من باب التمثيل، وأن أخذ الذرية من الظهر عبارة عن أيجادهم في الدنيا، وأما إشهادهم فمعناه: أن الله نصب لبني آدم الأدلة على ربوبيته، وشهدت بها عقولهم، فكأنه أشهدهم على أنفسهم، وقال: { ألست بربكم }؟ وكأنهم قالوا بلسان الحال: أنت ربنا. والأول هو الصحيح لتواتر الأخبار به، فقوله: { شَهِدنا }: هو من تمام الجواب، فهو تحقيق لربوبيته وأداء لشهادتهم بذلك، فينبغي أن يوقف عليه، وقيل: إنَّ { شهدنا }: من قول الله أو الملائكة، فيوقف على { بلى } ، لكنه ضعيف. ثم ذكر حكمة هذا الأخذ، فقال: { إن تقولوا } أي: فعلنا ذلك كراهة أن تقولوا { يوم القيامة إِنا كنا عن هذا غافلين } ، أو كراهية أن تقولوا: { إنما أشرك آباؤنا من قبلُ وكنا ذرية من بعدهم } فاقتدينا بهم، { أفتُهلكنا بما فعل المبطِلُون } ، يعني: آباءهم المبطلين بتأسيس الشرك، ولا بد من حذف كلام هنا لتتم الححجة، والتقدير: أخذنا ذلك العهد في عالم الأرواح، وبعثنا الرسل يجددونه في عالم الأشباح، كراهة أن تقولوا: إنا كنا عن هذا غافلين، ويدل على هذا قوله تعالى:

السابقالتالي
2 3