الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي ٱلأَرْضِ أُمَماً مِّنْهُمُ ٱلصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذٰلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِٱلْحَسَنَاتِ وَٱلسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } * { فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ ٱلْكِتَٰبَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَـٰذَا ٱلأَدْنَىٰ وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِّيثَٰقُ ٱلْكِتَٰبِ أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ وَٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } * { وَٱلَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِٱلْكِتَابِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُصْلِحِينَ }

قلت: { أُمَمًا }: مفعول ثانٍ لقطَّعنا، أو حال، وجملة { منهم الصالحون }: صفة، وجملة { يأخذون }: حال من فاعل ورثوا، و { يقولون } عطف على { يأخذون } ، أو حال، والفعل من { سيغفر }: مسند إلى الجار والمجرور، أو إلى مصدر { يأخذون } ، و { أن لا يقولوا }: عطف بيان من { ميثاق الكتاب } ، أو تفسير له، أو متعلق به، أي: لأن لا يقولوا، و { درسوا }: عطف على { ألم يُؤخذ } من حيث المعنى، أي: ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب ولم يدرسوا ما فيه، أو حال، أي: وقد درسوا، و { الذين يُمَسِّكُون }: مبتدأ، وجملة: { إنا لا نضيع أجر المصلحين }: خبر، والرابط: ما في المصلحين من العموم، فوضع موضع الضمير تنبيهًا على أن الإصلاح كالمانع من التضييع، أو حذف العائد، أي: منهم، ويحتمل أن يكون عطفًا على { الذين يتقون } أي: خير للمتقين والذين يتمسكون بالكتاب. يقول الحقّ جلّ جلاله: { وقطَّعناهم } أي: فرقناهم { في الأرض أُممًا }: فرقًا، ففي كل بلد من البلدان فرقة منهم، فليس لهم إقليم يملكونه، تتمةً لإذلالهم، حتى لا تكون لهم شوكة قط، { منهم الصالحون } وهو من تمسك بدين التوراة، ولم يحرف، ولم يفرق، أو من آمن منهم بالنبي صلى الله عليه وسلم في زمانه وبعده، { ومنهم دون ذلك } أي: ومنهم ناس دون ذلك، أي: منحطون عن الصلاح، وهم كفرتهم وفسقتهم، { وبلوناهم } أي: اختبرناهم { بالحسنات والسيئات } أي: بالنعم والنقم، { لعلهم يرجعون } ينتبهون فينزجرون عمًّا هُم عليه. { فخلَفَ من بعدهم خلفٌ } أي: فخلف، من بعد الأولين، خلف، أي: بدل سوء، وهو مصدر نعت به، فالخلف، بالسكون، شائع في الشر، يقال: جعل الله منك خلفًا صالحًا. والمراد بالخلف في الآية: اليهود الذين أدركوا النبي صلى الله عليه وسلم، { وَرِثوا الكتابَ } التوراة، من أسلافهم، يقرؤونها ويقفون على ما فيها، { يأخذون عَرَضَ هذا الأدنى } حطام هذا الشيء الحقير، من الدنو، أو من الدناءة، وهو ما كانوا يأخذون من الرشا في الأحكام، وعلى تحريف الكلام، { ويقولون سيُغفرُ لنا } لا يؤاخذنا الله بذلك ويتجاوز عنه، اغترارًا وحمقًا. { وإن يأتهم عَرَضٌ مثلُه يأخذوه } أي: يرجون المغفرة، والحال أنهم مصرون على الذنب، عائدون إلى مثله، غير تائبين منه، { ألم يُؤخذْ عليهم ميثاقُ الكتاب } أي: في الكتاب، وهو التوراة، { أن لا يقولوا على الله إِلا الحق } ، وهو تكذيب لهم في قولهم: { سيُغفر لنا } ، والمراد: توبيخهم على القطع بالمغفرة مع عدم التوبة، والدلالة على أنه افتراء على الله وخروج عن ميثاق الكتاب، { ودَرَسُوا ما فيه } أي: وقد درسوا ما فيه، وعلموا ما أُخذ عليهم فيه من المواثيق، ثم تجرأوا على الله، { والدارُ الآخرة خير للذين يتقون } مما يأخذ هؤلاء من العرض الفاني.

السابقالتالي
2