الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَسْئَلْهُمْ عَنِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ ٱلْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي ٱلسَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ } * { وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً ٱللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } * { فَلَماَّ نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا ٱلَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلسُوۤءِ وَأَخَذْنَا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ } * { فَلَماَّ عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ }

قلت: { إذ يَعْدُون }: بدل من { القرية } ، بدل اشتمال، أو منصوب بكانت، أو بحاضرة و { إذ تأتيهم }: منصوب بيعدون، و { سبتهم }: مصدر مضاف للفاعل، يقال: سبت اليهود سبتًا: إذا عظم يوم السبت وقطع شغله فيه، و { شُرَّعًا }: حال، ومعناه: ظاهرة قريبة منهم، يقال: شرع منه فلان إذا دنا منه. يقول الحقّ جلّ جلاله: { واسألهم عن القرية } أي: اليهود، سؤال تقرير وتوبيخ على تقديم عصيانهم وعما هو من معلومهم، الذي لا يعلم إلا بتعليم أو وحي، وقد تحققوا أنك أُمي، فيكون ذلك معجزة وحجة عليهم، { عن القرية } أي: عن خبرها وما وقع لها، { التي كانت حاضرةَ البحر } قريبة منه، وهي " إيلة " ، قرية بين مدين والطور، على شاطىء البحر، وقيل: مدين، وقيل: طبرية، { إذ يَعدُون في السّبِت }: يتجاوزون حدود الله بالاصطياد في يوم السبت، وكان حرامًا عليهم لاشتغالهم عنه بالعبادة، { إذ تأتيهم حيتانُهم يوم سبتهم شُرّعًا }: ظاهرة على وجه الماء، دانية منهم، { ويوم لا يَسبِتُون لا تأتيهم } بل تغوص كلها في البحر، { كذلك } أي: مثل هذا البلاء الشديد { نَبلوهم بما كانوا يفسقون } أي: بسبب فسقهم. وقيل " كذلك ": متصل بما قبله، أي: لا تأتيهم مثل ذلك الإتيان الذي تأتيه يوم السبت. ثم افترقت بنو إسرائيل ثلاث فرق: فرقة عصت بالصيد يوم السبت، وفرقة نهت عن ذلك واعتزلت القوم، وفرقة سكتت واعتزلت فلم تنه ولم تعص. { وإذ قالت أُمةٌ منهم } ، وهي التي لم تنه ولم تعص. لَمَّا رأت مهاجرة الناهية وطغيان العاصية: { لِمَ تَعِظُون قومًا اللهُ مهلكهم } بالموت بصاعقة، { أو معذبهم عذابًا شديدًا } في الآخرة؟ { قالوا }: نهينا لهم { معذرة إلى ربكم } أي: عذرًا إلى الله تعالى، حتى لا ننسب إلى تفريط في النهي عن المنكر، { ولعلهم يتقون } فينزجرون عن العصيان، إذ اليأس منهم لا يحصل إلا بالهلاك. { فلما نَسُوا ما ذُكِّروا به } أي: تركوا ما وُعظوا به ترك الناسي، { أنجينا الذين ينهون عن السوءِ وأخذنا الذين ظلموا } بالاعتياد ومخالفة أمر الله، { بعذابٍ بئيس }: شديد، من بؤس يبؤس بؤسًا، وقرىء بيْئَسٍ على وزن ضيغم، و " بِئْس " بالكسر والسكون، كحذر، وبيس بتخفيف الهمزة، ومعناها واحد، أي: بما عاقبناهم بالمسخ، { بما كانوا يفسقون } أي: بسبب فسقُهم. قال ابن عباس: لا أدري ما فعل بالفرقة الساكتة؟ وقال عكرمة: لم تهلك لأنها كرهت ما فعلوه. ورجع إليه ابن عباس وأعجبه، لأن كراهيتها تغيير المنكر في الجملة، مع قيام الفرقة الناهية به لأنه فرض كفاية. قال تعالى: { فلما عتوا عما نُهوا عنه } تكبرًا عن ترك ما نُهوا عنه، { قلنا لهم كونوا قردة خاسئين } أذلاء صاغرين.

السابقالتالي
2