الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَماَّ سَكَتَ عَن مُّوسَى ٱلْغَضَبُ أَخَذَ ٱلأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ }

يقول الحقّ جلّ جلاله: { لما سكت } أي: سكن { عن موسى الغضبُ } لَمَّا كان الغضب هو الحامل له على ما فعل صار كأنه كان يأمره به ويغريه عليه، حتى عبَّر عن سكونه بالسكوت، أي: لما سكن غضبه { أخذَ الألواحَ } التي ألقاها، { وفي نُسختها } أي: وفيما نسخ فيها، أي: كُتب { هُدَىً ورحمة } أي: بيان للحق وإرشاد إلى الصلاح والخير، { للذين هم لربهم يرهبون } أي: للذين يخافون ربهم ويهابونههم المنتفعون بها، ودخلت اللام في المفعول لضعف العامل بتأخره. الإشارة: الغضب لأجل النفس يُفسد الإيمان، كالحنظل مع العسل، ولذلك قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ للذي قال له: أوصني، قال: " لا تَغضَب " ، ثم كرر عليه: أوصني، قال: " لا تَغضَب " ، ثلاثًا، لأن الغضب المفرط يغطي نور العقل، فيصدر من صاحبه أمور منكرة، قد يخرج بها عن الإيمان بالكلية، وقد يؤدي إلى قتل نفسه والعياذ بالله، والغضب معيار الصوفية قال بعضهم: إذا أردت أن تعرف الرجل فغضبه وانظر ما يخرج منه، إلى غير ذلك مما ورد فيه، فإن كان غضبه لله أو بالله فلا كلام عليه، وهو حال الأنبياء وأكابر الأولياء ـ رضي الله عنهم ـ. ولما انقضت قضية العجل أراد سيدنا موسى عليه السلام أن يذهب بقوم، يعتذرون عن عبادة العجل، كما قال تعالى: { وَٱخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً }.