الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَٰنَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِيۤ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى ٱلأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ٱبْنَ أُمَّ إِنَّ ٱلْقَوْمَ ٱسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ ٱلأَعْدَآءَ وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّٰلِمِينَ } * { قَالَ رَبِّ ٱغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ ٱلْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي ٱلْحَياةِ ٱلدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُفْتَرِينَ } * { وَٱلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِهَا وَآمَنُوۤاْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ }

الإشارة: { بئسما }: " ما " نكرة موصوفة: تمييز، تفسير للضمير المستكن في بئس، والمخصوص: محذوف، أي: بئس شيئًا خلفتموني خلافتكم هذه، و { ابن أم }: منادى مضاف، منصوب بفتحة مقدرة قبل ياء المتكلم، وأصله: ابن أمي، فحذفت الياء، وفتحت الميم تخفيفًا. يقول الحقّ جلّ جلاله: { ولما رجعَ موسى } من ميقاته { إلى قومه غضبان } على قومه، { أسِفًا } أي: حزينًا عليهم حيث ضلوا، { قال } لهم، أو لأخيه ومن معه من المؤمنين: { بئسما خلفتُموني من بعدي } أي: من بعد انطلاقي إلى المناجاة، { أعَجِلتُم أمرَ ربكم } أي: أسابقتم قضاء ربكم ووعده، واستعجلتم إتياني قبل الوقت الذي قدَّر فيه، أو أعجلتم عقوبة ربكم وإهلاكه لكم حيث عبدتم غيره. { وألقى الألواحَ } طرحها من شدة الغضب حمية للدين، رُوِي أن التوراة كانت سبعة أسفار في سبعة ألواح، فلما ألقاها انكسرت، فرفع ستةَ أسبَاعِها، وكان فيها تفصيل كل شيء، وبقي سُبعٌ كان فيه المواعظ والأحكام، { وأخذَ برأسِ أخيه }: بشعر رأسه { يَجرُّه إليه } توهمًا في أنه قصَّر في زجرهم، وهارونُ كان أكبر منه بثلاث سنين، وكان حمولاً لَيِّنًا، ولذلك كان أحبَّ إلى بني إسرائيل، ولما رأى هارونُ ما يفعل به أخروه { قال ابنَ أُمَّ } ذكر الأم ليرقّقه، وكان شقيقًا له، { إنَّ القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني } حين أنكرتُ عليهم، فقد بذلتُ جهدي في كفهم، وقهروني حتى قاربوا قتلي، فلم أُقَصِّر، { فلا تُشمت بي الأعداء } فلا تفعل بي ما يشمتون بي، أي: يستشفون بي لأجله، { ولا تجعلني مع القوم الظالمين } معدودًا في عدادهم بالمؤاخذة، أو نسبة التقصير. { قال } موسى: { ربِّ أغفر لي } ما صنعتُ بأخي، { ولأخي } إن فرَّط في كفَّهم، { وأدخلنا في رحمتك } بمزيد الإنعام علينا، { وأنت أرحمُ الراحمين } فأنت أرحم منا على أنفسنا. قال تعالى: { إن الذين اتخذوا العِجلَ سينالُهم غضبٌ من ربهم } وهو ما أمرهم من قتل أنفسهم، أو الطاعون الذي سلط عليهم، { وذلةٌ في الحياة الدنيا } وهي ضرب الجزية والهوان إلى يوم القيامة، { وكذلك نجزي المفترين } على الله، ولا فرية أعظم من فريتهم، حيث { قالوا هذا إلهكم وإله موسى } ، ولعله لم يفترِ أحدٌ مثلها قبلهم ولا بعدهم، حيث جعلوا البقر إلههم وإله الرسول، نسأل الله الحفظ. ثم ذكر توبتهم، فقال: { والذين عَمِلُوا السيئات } من الكفر والمعاصي، { ثم تابوا من بعدها } من بعد السيئات { وآمنوا } واشتغلوا بما يقتضيه الإيمان من الأعمال الصالحات، { إنَّ ربك من بعدها } من بعد التوبة { لغفورٌ رحيم } وإن عَظُم الذنب كجريمة عَبَدَة العجل ـ وكَثُر كجرائم بني إسرائيل. الإشارة: الغضب لله وبالله، والأسف على دين الله، من أمارة الغَيرة على دين الله، لكنَّ صاحب هذا المقام مالك نفسه، يظهر الغلظة ويبطن الرحمة، قيامًا بشهود الحكمة والقدرة، وأما ما صدر من سيدنا موسى ـ عليه السلام ـ فتشريع لأهل التشريع، لئلا يقع التساهل في تغيير المناكر.

السابقالتالي
2