الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ يٰمُوسَىٰ إِنِّي ٱصْطَفَيْتُكَ عَلَى ٱلنَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَآ آتَيْتُكَ وَكُنْ مِّنَ ٱلشَّاكِرِينَ } * { وَكَتَبْنَا لَهُ فِي ٱلأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُوْرِيكُمْ دَارَ ٱلْفَاسِقِينَ } * { سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي ٱلَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ ٱلرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ ٱلْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ } * { وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَلِقَآءِ ٱلآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }

قلت: الرُّشد والرَّشَد: لغتان، قُرىء بهما. يقول الحقّ جلّ جلاله: { قال يا موسى إني اصطفيتُك } اخترتك { على الناس } الموجودين في زمانك، وهارون، وإن كان نبيًا، كان مأمورًا باتباعه، ولم يكن كليما ولا صاحب شرع. فقد اصطفيتك على أهل زمانك { برسالتي } لك إليهم، ومن قرأ بالجمع فالمراد: أوقات التبليغ بأنواع الأحكام أو أسفار التوراة، { و } خصصتك { بكلامي } ، وقد شاركه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مع زيادة الرؤية، { فخُذ ما آتيتك } أي: أعطيتك من الرسالة والتكليم، وأقنع بهما ولا تطلب غير ذلك، { وكن من الشاكرين } على هذه النعمة، وفيه نوع تأديب له. رُوِي أن سؤال الرؤية كان يوم عرفة، وأعطاه التوراة يوم النحر. قال تعالى: { وكتبنا له في الألواح من كل شيءٍ } يحتاجون إليه { موعظةً } أي: تذكيرًا { وتفصيلاً لكل شيءٍ } يتوقفون عليه في الأحكام والوعظ. واختلف في الألواح: هل كانت سبعة أو عشرة أو اثنين، وهل كانت من زمرد أو زبرجد أو ياقوت أحمر، أو خشب، أو صخرة صماء، شقها الله تعالى لموسى عليه السلام فقطعها بيده، وكان فيها التوراة. قال تعالى لموسى عليه السلام: { فخُذهَا } أي: الألواح أو الرسالة { بقوة } أي: بجد واجتهاد، { وأْمُرْ قومكَ يأخذوا بأحسنها } بأحسن ما فيها، فإن فيها ما هو حسن وأحسن منه كالقصاص مع العفو، أو بواجباتها، فإن الواجب أفضل من المندوب، وهذا كقوله في كتابنا:وَاتَّبِعُوَاْ أَحْسَنَ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِكُم } [الزُّمَر:55]، ويجوز أن يراد بالأحسن: البالغ في الحسن مطلقًا، لا بالإضافة إلى غيره، كقولهم: الصيف أحر من الشتاء، فيكون الأمر بأخذ كل ما فيها لأنه بالغ الحسن، ثم بشرهم بخراب ملك عدوهم، فقال: { سأُريكُم دارَ الفاسقين } أي: دار فرعون وقومه خاوية على عروشها، أي: أريكم كيف أقفَرَت منهم لمّا هلكوا، وقيل: منازل عاد وثمود ومن هلك من الأمم، لتعتبروا بها، وقيل: جهنم. وقرأ ابن عباس: " سأورثكم " بالثاء المثلثة، كقوله:وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِى إِسْرَآءِيلَ } [الشُّعَرَاء:59]. { سَأصرِفُ عن آياتي } المنصوبة في الآفاق والأنفس الدالة على قدرتنا ووحدانيتنا من عجائب المصنوعات فلا يتفكرون فيها، أو القرآن وغيره من الكتب، أصرفُ عنها { الذين يتكبّرون في الأرض } بالطبع على قلوبهم فلا يتفكرون فيها، ولا يعتبرون، ولا يؤمنون بها، عقوبة لهم على تكبرهم، وقيل: الصرف: منعهم من إبطالها وإطفاء نورها، وإن اجتهدوا، كما فعل فرعون وغيره، فعاد عليهم بإعلائها وإظهار نورها، وذلك التكبر صدر منهم { بغير الحق } أي: تكبروا بما ليس بحق، وهو دينهم الباطل. { وإن يروا كل آية } مُنزلةٍ أو معجزة { لا يُؤمنوا بها } لعنادهم، واختلال نظرهم، بسبب انهماكهم في الهوى وحب الجاه، { وإن يَرَوا سبيل الرُّشد } أي: طريق الصواب والحق { لا يتخذوه سبيلاً } لاستيلاء الشيطان عليهم، { وإن يَرَوا سبيلَ الغيِّ } أي: الظلال { يتخذوه سبيلاً } أي: يسلكونه ويتبعونه، لأن سجيتهم الضلال، { ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين } أي: ذلك الصرف بسبب تكذيبهم وعدم تدبرهم الآيات.

السابقالتالي
2