الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَآءَ ٱلسَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالْوۤاْ إِنَّ لَنَا لأَجْراً إِن كُنَّا نَحْنُ ٱلْغَالِبِينَ } * { قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ } * { قَالُواْ يٰمُوسَىٰ إِمَّآ أَن تُلْقِيَ وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ نَحْنُ ٱلْمُلْقِينَ } * { قَالَ أَلْقُوْاْ فَلَمَّآ أَلْقَوْاْ سَحَرُوۤاْ أَعْيُنَ ٱلنَّاسِ وَٱسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَآءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ } * { وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ } * { فَوَقَعَ ٱلْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ وَٱنقَلَبُواْ صَاغِرِينَ }

قلت: من قرأ: أئن بهمزتين، فهو اسم استفهام، ومن قرأ بهمزة واحدة، فيحتمل أن يكون خبرًا، كأنهم قالوا: لا بد لنا من أجر، أو استفهامًا حُذفت منه الهمزة، والتنكير للتعظيم، واستأنف الجملة، كأنها جواب عن سائل قال: فماذا قالوا إذ جاؤوا؟ قالوا: إن لنا لأجرًا...الخ، وإنكم: عطف على ما سدّ مسده نعم، من تمام الجواب، كأنه قال: نعم نعطيكم الأجر ونقربكم. يقول الحقّ جلّ جلاله: { وجاء السحرةُ فرعونَ } بعد ما أرسل الشرطة في طلبهم، { قالوا } لما وصلوا إليه: { إن } أئن { لنا لأجرًا إن كنا نحن الغالبين } لموسى؟ { قال نعم } إن لكم أجرًا { وإنكم لَمِنَ المقربين } إليّ. فأنعم لهم بالأجر، وزادهم التقريب منه والجاه عنده تحريضًا لهم. واختُلف في عدد السحرة اختلافًا متباينًا، من سبعين رجلاً إلى سبعين ألفًا، وكل ذلك لا أصل له في صحة النقل. ولمَّا خرجوا إلى الصحراء لمقابلته { قالوا يا موسى إما أن تُلقي وإما أن نكونَ نحن الملقين } خيّروا موسى مراعاة للأدب، وإظهارًا للجلادة، ولكن كانت رغبتهم في أن يلقوا قبله، ولذلك عبَّروا عن إلقاء موسى بالفعل وعن إلقائهم بالجملة الاسمية، وفيه إشارة إلى أنهم أهل الإلقاء المتمكنون فيه. ولذلك أسعفهم، { قال ألقوا } أسعفهم كرمًا ومسامحة وازدراءً بهم، { فلما ألقوا سحروا أعين الناس } ، بأن خيلوا إليها خلاف ما في حقيقة الأمر، { واسترهبوهم } أي: خوفوهم بما أظهروا لهم من أعمال السحر، { وجاؤوا بسحر عظيم } في فَنّه. رُوِي أنهم ألقوا حبالاً غلاظًا، وخشبًا طوالاً، كأنها حيات، ملأت الوادي، وركب بعضها بعضًا. { وأوحينا إلى موسى أن ألقِ عصاكَ } ، فألقاها، فصارت ثعبانًا عظيمًا، على قدر الجبل، وقيل: إنه طال حتى جاوز النيل، { فإذا هي تَلقَفُ } أي: تبتلع { ما يأفِكُون } ما يُزَوِّرُونَهُ من إفكهم وكذبهم، رُوِي أنها لما ابتلعت حبالهم وعصيهم، وكانت ملأت الوادي، فابتلعتها بأسرها، أقبلت على الحاضرين، فهربوا وازدحموا حتى هلك منهم جمع عظيم، ثم أخذها موسى فصارت عصًا كما كانت، فقال السحرة: لو كان هذا سحرًا لبقيت حبالنا وعصينا. { فوقعَ الحقُّ } أي: ثبت بظهور أمره، { وبَطَلَ ما كانوا يعملون فَغُلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين } أي: صاروا أذلاء مبهوتين، أو انقلبوا إلى المدينة مَقهورين. ولما رأى السحرة ذلك علموا أنه ليس من طوق البشر، وليس هو من السحر، فتحققوا أنه من عند الله، فآمنوا، كما أشار إليه بقوله: { وَأُلْقِيَ ٱلسَّحَرَةُ سَاجِدِينَ }.