الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي ٱلأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ }

يقول الحقّ جلّ جلاله: { ولقد مكناكم في الأرض } تتصرفون فيها بالبناء والسكن، وبالغرس والحرث والزرع، وغير ذلك من أنواع التصرفات، { وجعلنا لكم فيها معايش }: أسبابًا تعيشون بها كالتجارة وسائر الحرف، { قليلاً ما تشكرون } على هذه النعم، فتقابلون المنعم بالكفر والعصيان، فأنتم جديرون بسلبها عنكم، وإبدالها بالنقم، لولا فضله ورحمته. الإشارة: نعمة التمكين في الأرض متحققة في أهل التجريد، والمنقطعين إلى الله تعالى، فهم يذهبون في الأرض حيث شاءوا، ومائدتهم ممدودة يأكلون منها حيث شاؤوا، فهم متمكّنون من أمر دينهم لقلة عوائدهم، ومن أمر دنياهم لأنها قائمة بالله، تجري عليهم أرزاقهم من حيث لا يحتسبون، تخدمهم ولا يخدمونها " يا دنياي اخدمي من خدمني، وأتعبي من خدمك ". فمن قصّر منهم في الشكر توجه إليه العتاب بقوله: { ولقد مكناكم في الأرض } إلى قوله: { قليلاً ما تشكرون } ، ومن تحقق شكره قيل له:وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ، وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ } [القصص: 5ـ6]. والله تعالى أعلم. ولما ذكر نعمة الإمداد أتبعه بنعمة الإيجاد، فقال: { وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ }.