الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ نۤ وَٱلْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ } * { مَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ } * { وَإِنَّ لَكَ لأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ } * { وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ }

يقول الحق جلّ جلاله: { نۤ } ، هو من جملة الرموز، كـ { ص } و { ق } ، وكأنه ـ والله أعلم ـ يُشير إلى ما خصّ به نبيَّه من أسرار النبوة والخلافة، أي: نبأناك ونبَّهناك ونوّبناك خليفة عنا، أو نوّهنا بك في مُلكنا وملكوتنا، أو: أيها النبي المفخّم، والرسول المعظّم، وحق نون والقلم ما أنت بمجنون. وقيل: مختصر من نور وناصر ونصير، وقيل: من الرحمن، لكن ورد في الحديث: " أول ما خلق اللهُ القلم، ثم خَلَقَ النون " ، وهو الدواة، وذلك قوله: { ن والقلم } فإن صَحّ الحديث فهو أولى في تفسير الآية، وقد رُوي عن ابن عباس وغيره، في تفسير الآية: أنه الدواة والقلم الذي بأيدي الناس، ورُوي عن ابن عباس أيضاً: أنه الحوت الأعظم، الذي عليه الأرضون السبع. قال الكلبي ومقاتل: اسمه يهموت ـ بالياء ـ وقيل: ليُوثا، وقيل: باهوتا. رُوي: أنّ الله تعالى لمّا خلق الأرض وفَتَقَها، بعث مِن تحت العرش ملكاً، فهبط إلى الأرض حتى دخل تحت الأرضين السبع، فوضعها على عاتقه، إحدى يديه بالمشرق، والأخرى بالمغرب، باسطتين، قابضتين على الأرضين السبع، فلم يكن لقدميه موضع قرار، فأهبط الله من الفردوس ثوراً، له أربعون ألف قرنٍ، وأربعون ألف قائمة، وجعل قرار قدم الملك على سنامه فلم تستقر قدماه، فأهبط الله ياقوتة خضراء من أعلى درجة في الفردوس، غلظها خمسمائة عام، فوضعها على سنام الثور إلى أذنه، فاستقرت قدما المَلك عليه، وقرون ذلك الثور خارجة من أقطار الأرض، ومنخاره في البحر، فهو يتنفس كل يوم نفساً، فإذا تنفّس مدَّ البحرُ، وإذا هدأ نَفَسُه جزرَ البحر، فلم يكن لقوائم الثور موضع قرار، فخلق الله صخرة خضراء، كغلظ سبع سموات وسبع أرضين، فاستقرت قوائم الثور عليها، وهي الصخرة التي قال لقمان لابنه:فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ } [لقمان:16] الآية، فلم تستقر الصخرة، فخلق الله نوناً ـ وهو الحوت العظيم ـ فوضع الصخرة على ظهره، وسائر جسده عارٍ، والحوت على البحر، والبحر على متن الريح، والريح على القدرة الأزلية، يُقلُّ الدنيا بما فيها حرفان " كن فيكون ". هـ. من الثعلبي، وهذا من باب عالَم الحكمة، وإلاّ فما ثَمَّ إلا تجليات الحق وأسرار الذات، والصفات الأزلية. وتفسير { ن } بهذا الحوت ضعيف. قال ابن جزي: ويُبطل قول مَن قال: إنه الحوت أو الدواة، بأنه لو كان كذلك لكان مُعرباً، ولَكَان في آخره تنوين، فكونه موقوفاً دليل على أنه حرف هجاء، نحو: { الـۤم } وغيره. هـ. ثم أقسم بالقلم، فقال: { والقلم وما يسطرون } ، قيل: هو القلم الذي كتب اللوح المحفوظ، فالضمير في { يسطرون } للملائكة، وقيل: القلم المعروف عند الناس، أقسم له بِما فيه من المنافع والحِكم.

السابقالتالي
2 3