الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَآ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُواْ لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ } * { وَلاَ يَسْتَثْنُونَ } * { فَطَافَ عَلَيْهَا طَآئِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَآئِمُونَ } * { فَأَصْبَحَتْ كَٱلصَّرِيمِ } * { فَتَنَادَوْاْ مُصْبِحِينَ } * { أَنِ ٱغْدُواْ عَلَىٰ حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ } * { فَٱنطَلَقُواْ وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ } * { أَن لاَّ يَدْخُلَنَّهَا ٱلْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِّسْكِينٌ } * { وَغَدَوْاْ عَلَىٰ حَرْدٍ قَادِرِينَ } * { فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوۤاْ إِنَّا لَضَآلُّونَ } * { بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ } * { قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ لَوْلاَ تُسَبِّحُونَ } * { قَالُواْ سُبْحَانَ رَبِّنَآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ } * { فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَلاَوَمُونَ } * { قَالُواْ يٰوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ } * { عَسَىٰ رَبُّنَآ أَن يُبْدِلَنَا خَيْراً مِّنْهَآ إِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا رَاغِبُونَ } * { كَذَلِكَ ٱلْعَذَابُ وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ }

يقول الحق جلّ جلاله: { إِنَّا بلوناهم } أهل مكة، أي: امتحنّاهم بالقحط والجوع، حتى أكلوا الجِيفَ الرِّممَ، بدعاء النبي صلى الله عليه سلم حيث قال: " اللهم اشدُدْ وطأتَك على مُضَرَ، واجعلها عليهم سِنينَ كسِني يوسفَ " { كما بلونا أصحابَ الجنةِ } ، وهم قوم من أهل الصلاة، قيل: كانوا مؤمنين، أهل كتاب، بعد رفع عيسى عليه السلام وكانوا بـ " ضرْوان " على فراسخ من صنعاء اليمن. قال ابن جزي: كانوا من بني إسرائيل. هـ. والجنة، قال ابن عباس: هو بستان، يقال له: الضّروان، دون صنعاء بفرسخين، يطؤه أهل الطريق، كان غَرَسه رجل من أهل الصلاح، فورثه ثلاثة بنين، فإذا أصرموه كان للمساكين كل ما تعدّاه المنجل والقِطاف، فإذا طرح من فوق النخل إلى البساط، فكل شيء سقط عن البساط فهو للمساكين، فكان أبوهم يتصدّق منها على المساكين، فكان يعيش من ذلك في حياة أبيهم اليتامى والأرامل والمساكين، وفي رواية: كان يأخذ قوت سنة، ويتصدّق بالباقي، وكان ينادي على الفقراء وقت الصرام، فلما مات أبوهم قالوا: لقد قلَّ المال، وكثر العيال، فتحالفوا بينهم ليغدوا غدوة قبل خروج الناس، ويصرمونه، ولا يشعر المساكين، وهو قوله تعالى: { إِذْ أقسَموا } حلفوا { لَيَصْرِمُنَّهَا مصبحين } ليقطفنّها داخلين في الصباح، قبل انتشار الفقراء، { ولا يستثنون } لا يقولون إن شاء الله، وسمي استثناء، وإن كان شرطاً صورةً لأنه يؤدي مؤدّى الاستثناء لأنّ قولك: لأخرجنّ إن شاء الله، و: لا أخرج إلاّ أن يشاء الله، واحدٌ، أو: لا يستثنون حصة المساكين، كما كان يفعل أبوهم. { فطاف عليها } أي: على الجنة { طائف من ربك } أي: نزل عليها بلاء من جهته تعالى، قيل: أنزل الله عليها ناراً فأحرقتها، وقيل: طاف بها جبريل، لأنه الموكل بالخسف، فاقتلعها، وطاف بها حول البيت، ثم وضعها بالطائف، وليس بمكة وما قرب منها بستان غيرها، وهي مدينة الطائف. انظر اللباب. { وهم نائمون } أي: في حال نومهم، أو: غافلون عما جرت به المقادير، { فأصبحتْ } أي: فصارت الجنة { كالصَّرِيم } كالبستان الذي صرمت ثماره، بحيث لم يبقَ فيها شيء، وقيل: كالليل المُظلم، احترقت فاسودّت، أو: كالصبح، أي: صارت أرضاً بيضاء بلا شجر. وفي القاموس: الصريم: الأرض المحصود زرعها، والصبح والليل. هـ. { فَتَنَادَوا } أي: نادى بعضُهم بعضاً { مصبحين } داخلين في الصباح: { أَنِ اغْدوا } أي: اخرجوا غدوه { على حَرْثِكم } بستانكم وضيعتكم، وتعدية الغدو بـ " على " لتضمنه معنى الإقبال والاستيلاء، { إِن كنتم صارمين } قاصدين الصرم. { فانطلقوا وهم يتخافتون } يتساررون فيما بينهم بطريق المخافتة، لئلا يسمع المساكين { أن لا يدخلنَّها } أي: الجنة، و " أن " مفسرة، أي: قائلين في تلك المخافتة: لايدخلنها { اليومَ عليكم مسكين } ، والنهي عن دخول المساكين نهي عن التمكين على وجه المبالغة، أي: لا تُمكنوهم من الدخول.

السابقالتالي
2 3