الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ ٱلْمَلِكِ ٱلْقُدُّوسِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ } * { هُوَ ٱلَّذِي بَعَثَ فِي ٱلأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { ذَلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ }

يقول الحق جلّ جلاله: { يُسَبِّحُ لله ما في السموات وما في الأرض } ، وهذا التسبيح إمّا أن يكون: تسبيح خِلقة، يعني: أنك إذا نظرت إلى شيء دلتك خِلقتُه على وحدانيته تعالى، وتنزيهِه عما لا يليق به، وإمّا أن يكون تسبيح معرفة بأن يخلق في كل شيء ما يعرفه به تعالى وينزّهه، ألا ترى إلى قوله تعالى:وَإِن مِن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِحُ بحَمدِهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُون تَسْبِيحَهُمْ } [الإسراء:44]، أو: تسبيح ضرورة، بأن يُجري اللهُ التسبيحَ على كل جوهر من غير معرفةٍ له بذلك. قاله النسفي. { الملكِ القُدُّسِ } أي: المنزَّه عما لا يليق به من الكمالات. ولا يُقال: المنزّه عن النقائص إذ لا يصح اتصافه بها حتى تُنفى عنه، وربما يكون نقصاً في حقه، كما يُقال: الملِك ليس بجزار. { العزيزِ الحكيمِ } وقرئت هذه الصفات الأربع بالرفع على المدح. { هو الذي بَعَثَ في الأميين رسولاً منهم } أي: بعث رجلاً أُميًّا في قوم أميين، وقيل: { منهم }: من أنفسهم، يعلمون نَسَبه وأحواله وصِدْقَه. والأُمي: منسوب إلى أميّة العرب لأنهم لايقرؤون ولا يكتبون من بين الأمم. قيل. بُدئت الكتابة في العرب بالطائف وهم أخذوها من أهل الحيرة، وأهل الحيرة من أهل الأنبار. { يتلو عليهم آياته } القرآن { ويُزكِّيهم } يطهرهم من الشرك وخبائث الجاهلية، { ويُعَلّمهم الكتابَ } القرآن { والحكمةَ } السُنَّة، أو الفقه في الدين، أو إتقان العلم والعمل، { وإِن كانوا من قبلُ لفي ضلالٍ مبين } كفر وجهالة. و " إن " مخففة، أي: وإن الشأن كانوا في ضلال فظيع، وهو بيان لشدة افتقارهم لمَن يرشدهم، وإزاحة لِمَا عسى أن يتوهم مِن تعلُّمه صلى الله عليه وسلم مِن الغير إذ كلهم كانوا مغروقين في الجهل والضلال، ليس فيهم مَن يعلم شيئاً. { وآخرين منهم }: عطف على " الأميين " أي: بعث في الأميين، الذين في عصره، وفي آخرين من الأميين { لَمَّا يلحقوا بهم } أي: لم يلحقوا بهم بعدُ، وسيلحقون، وهم الذين يأتون بعد الصحابة إلى يوم القيامة، وقيل: هم العجم، أي: وآخرين من جنسهم، وقيل: عطف على " يُعلّمهم " أي: يُعلّم أخرين منهم، وعلى كلِّ فدعوته صلى الله عليه وسلم عامة. { وهو العزيزُ الحكيم } المبالغ في العزة والحكمة، ولذلك مكَّن رجلاً أميًّا من ذلك الأمر العظيم، واصطفاه من بين كافة البشر. { ذلك } الذي امتاز به محمد صلى الله عليه وسلم من بين سائر البشر { فضلُ الله } وإحسانه، أو: ذلك التوفيق حتى يؤمنوا من فضل الله، لا باستحقاق، أو الاعتناء بالبعث وعدم الإهمال، مع ما حصل منه من النتائج المذكورة، فضل من الله، وقطع الأسباب في الجملة في استحقاق الفضل إذ علقه بالمشيئة في قوله: { يؤتيه مَن يشاء } تفضُّلاً وعطية، { والله ذو الفضل العظيم } الذي يُستحقر دونه نِعم الدنيا والآخرة.

السابقالتالي
2