الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِٱلْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُواْ بِمَا جَآءَكُمْ مِّنَ ٱلْحَقِّ يُخْرِجُونَ ٱلرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِٱلْمَوَدَّةِ وَأَنَاْ أَعْلَمُ بِمَآ أَخْفَيْتُمْ وَمَآ أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ } * { إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُواْ لَكُمْ أَعْدَآءً وَيَبْسُطُوۤاْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِٱلسُّوۤءِ وَوَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ } * { لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }

يقول الحقّ جلّ جلاله: { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوَّكم أولياء } أي: أصدقاء، نزلت في حاطب بن أبي بلتعة، وذلك أنه لمّا تجهز رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لغزوة الفتح، كتب إلى أهل مكة، إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يُرديكم، فخُذوا حِذركم. وفي رواية: كتب: إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يسير إليكم بجيشٍ كالليل، يسيل كالسيل، فالحذرَ الحذرَ، وأرسله مع " ساره " مولاة بني المطلب، وقيل: كلثوم بنت عقبة بن أبي مُعيط، فنزل جبريلُ عليه السلام بالخبر، " فبعث رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عليًّا وعمّاراً، وطلحة، والزبير، والمقداد، وأبا مرثد، وقال: " انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ، فإنّ بها ظعينة، معها كتاب إلى أهل مكة، فخذوه منها، وخلُوها، فإن أبتْ فاضربوا عنقها " فأدركوها ثمة، فجحدت، فسلّ عليٌّ سيفه، فأخرجته من عِقاصِها. زاد النسفي: أنه عليه السلام أمَّن يوم الفتح جميعَ الناس إلاّ أربعة، هي أحدهم، فاستحضر رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطباً، وقال: " ما حملك على هذا "؟ فقال: يا رسول الله! ما كفرتُ منذ أسلمتُ، ولا غششتُ منذ نصحتُ، ولكني كنتُ امرءاً مُلْصَقًا في قريش، ليس لي فيهم مَن يحمي أهلي، فأردتُ أن أتخذ عندهم يداً، وعملتُ أن كتابي لا يُغني شيئاً، فصدّقه صلى الله عليه وسلم، وقَبِلَ عُذره، فقال عمر: دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق، فقال رسول الله صلى الله عليه سلم: " وما يدريك يا عمر، لعل الله قد اطلع على أهل بدر، فقال لهم: اعملوا ما شئتم فقد غفرتُ لكم " ففاضت عينا عمر رضي الله عنه، أي: من بكاء الفرح. والعَدُو: فَعُول، من: عدا، ولكونه على زنة المصدر أوقع على الجمع إيقاعه على الواحد. وفي الآية دليل على أنّ الكبيرة لا تسلب الإيمان. وقوله: { تُلْقٌونَ إِليهم بالمودةِ }: حال، أي: لا تتخذوهم أولياء مُلقين إليهم، أو: استئناف، أو: صفة لأولياء، أي: توصلون إليهم المودة، على أن الباء زائدة، كقوله:وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى ٱلتَّهْلُكَةِ } [البقرة: 195]، أو: تُلقون إليهم أخبارَ النبي صلى الله عليه وسلم بسبب المودة التي بينكم وبينهم، فتكون أصلية. { وقد كفروا بما جاءكم من الحق }: حال من فاعل " تتخذوا " أو " تُلقون " ، أي: لا تتولوهم، أو: لا تودوهم وهذه حالتهم يكفرون { بما جاءكم من الحق } الإسلام، أو: القرآن، جعلوا ما هو سبب الإيمان سبب الكفر. { يُخرجون الرسولَ وإِياكم } من مكة، وهواستئناف مُبيَّن لكفرهم وعتوهم، أو حال من " كفروا ". وصيغة المضارع لاستحضار الصورة. وقوله: { أن تؤمنوا بالله ربِّكم } تعليل للإخراج، أي: يُخرجونكم لإيمانكم، { إِن كنتم خرجتمْ جهادًا في سبيلي وابتغاء مرضاتي } ، هو متعلق بـ " لاتتخذوا " كأنه قيل: لا تودُّوا أعدائي إن كنتم أوليائي.

السابقالتالي
2