الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَآ أَنَزلَ ٱللَّهُ وَلَوْ تَرَىۤ إِذِ ٱلظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ ٱلْمَوْتِ وَٱلْمَلاۤئِكَةُ بَاسِطُوۤاْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوۤاْ أَنْفُسَكُمُ ٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ ٱلْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ غَيْرَ ٱلْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ } * { وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَٰدَىٰ كَمَا خَلَقْنَٰكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَّا خَوَّلْنَٰكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَآءُ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ }

قلت: { كما خلقناكم }: بدل من { فُرَادى } ، أو حال ثانية، و { لقد تقطع بينكم } من قرأ بالرفع، فهو فاعل، أي: تقطع وصلُكم، ومن قرأ بالنصب، فظرف، على إضمار الفاعل، أي: تقطع الاتصال بينكم، أو على حذف الموصول لقد تقطع ما بينكم. يقول الحقّ جلَ جلاله: { ومن أظلم ممن افترى على الله كذبًا } فزعم أنه يوحى إليه، كمسيلمة الكذاب والأسود العَنسي، أو: غيَّر الدين، كعَمرو بن لحي وأمثاله { أو قال أُوحي إليَّ ولم يُوحَ إليه شيء } كابن أبي سَرح ومن تقدم، إلا من تاب، كابن أبي سرح. { ومَن قال سأنزل مثل ما أنزل الله } كالذين قالوا:لَوْ نَشَآءُ لَقُلْنَا مِثْلِ هَذَا } [الأنفَال:31] كالنضر بن الحارث وأشباهه. { ولو ترى إذ الظالمون } من اليهود والكذابين والمستهزئين، حين يكونون { في غمرات الموت }: شدائده { والملائكة باسطو أيديهم } لقبض أرواحهم، أو بالضرب لوجوههم وأدبارهم، قائلين لهم: { أخرجوا أنفسكم } من أجسادكم تغليظًا عليهم، { اليوم } وما بعده { تُجزون عذاب الهون } أي: الهوان، يريد العذاب المتضمن للشدة والهوان، وإضافته للهوان لتمكنه فيه. وذلك العذاب { بما كنتم تقولون على الله غير الحق } ، كادعاء النبوة كذبًا، وادعاء الولد والشريك لله، { وكنتم عن آياته تستكبرون } فلا تستمعون لها، ولا تؤمنون بها، فلو أبصرت حالهم ذلك الوقت لرأيت أمرًا فظيعًا وهولاً شنيعًا. يقول الحق سبحانه لهم: { ولقد جئتمونا } للحساب والجزاء، { فُرادى }. متفرَّدين عن الأعوان والأوثان، أو عن الأموال والأولاد، وهذا أولى بقوله: { كما خلقناكم أول مرة } أي: على الهيئة التي وُلدتم عليها من الانفراد والتجريد حفُاة عُراة غُرلاً { وتركتم ما خولناكم } أي: تفضَّلنا به عليكم من الدنيا فشُغلتم به عن الآخرة، { وراء ظهوركم } ، فلم تقدموا منه شيئًا، ولم تحملوا معكم منه نقيرًا، { وما نرى معكم شفعاءكم } أي: أصنامكم { الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء } أي: أنهم شركاء مع الله في ربوبيتكم واستحقاق عبادتكم، { لقد تقطَّع بينكم } أي: تفرَّق وصلُكم وتشتت شملكم، { وضَلَّ } أي: غاب { عنكم ما كنتم تزعمون } أنهم شفعاؤكم، أو لا بعث ولا حساب الظهور كذبكم. الإشارة: كل من ادعى حالاً أو مقامًا، يعلم من نفسه أنه لم يُدركه ولم يتحقق به، فالآية تَجُرُّ ذيلَها عليه. وفي قوله: { ولقد جِئتُمُونَا فرادى... } الخ، إشارة إلى أن الدخول على الله والوصول إلى حضرته، لا يكون إلا بعد قطع العلائق والعوائق والشواغل كلها، وتحقيق التجريد ظاهرًا وباطنًا إذًا لا تتحقق الفردانية إلا بهذا. وقال الورتجبي: ولي هنا لطيفةٌ أخرى، أي: ولقد جئتمونا موحدِّين بوحدانيتي شاهدين بشهادتي، بوصف الكشف والخطاب، كما جئتمونا من العدَم في بدء الأمر، حين عَرَّفتُكم نفسي بقولي:أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى } [الأعرَاف:172] بلا إشارة التشبيه وغلط التعطيل، كما وصفهم نبيه صلى الله عليه وسلم:

السابقالتالي
2