الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَٰجُّوۤنِّي فِي ٱللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَآءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ } * { وَكَيْفَ أَخَافُ مَآ أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَٰناً فَأَيُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِٱلأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } * { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُوۤاْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمُ ٱلأَمْنُ وَهُمْ مُّهْتَدُونَ }

{ وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَآجُّونّيِ فيِ اللهِ وقد هَدَآنِ... } يقول الحقّ جلّ جلاله: { وحاجه قومه } أي: خاصموه في التوحيد، فقال لهم: { أتحاجُّوني في الله } أي: في وحدانيته، أو في الإيمان به، وقد هداني إلى توحيده وأرشدني إلى معرفته، فلا ألتفت إلى غيره، ولا أعبأ بمن خاصمني فيه، والأصل: تحاجونني، فحذف نافع وابن عامر نون الرفع، وأبقى نون الوقاية، وقيل: العكس، وأدغم الباقون أحدى النونين في الأخرى. الإشارة: مخاصمة العموم لأهل الخصوصية سُنَّة ماضيةوَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً } [الأحزاب:62] لأنَّ من أنكر شيئًا عاداه، فأهل الخصوصية يَعذرون من أنكر عليهم لأن ذلك مبلغهم من العلم، والعامة لا يعذرون أهل الخصوصية لخروجهم عن بلادهم فلا يعرفون ما هم فيه. والله تعالى أعلم. ولما خاصموا إبراهيم عليه السلام فلم يلتفت إليهم، خوفوه بأصنامهم، فقال لهم: {... وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَآءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ وَكَيْفَ أَخَافُ مَآ أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِٱلأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُوۤاْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمُ ٱلأَمْنُ وَهُمْ مُّهْتَدُونَ } قلت: الاستثناء في قوله: { إلا أن يشاء }: منقطع. قاله ابن جزي. وظاهر كلام البيضاوي: أنه متصل، وهو المتبادر، أي: ولا أخاف ما تشركون في حال من الأحوال إلا أن يشاء ربي أن يصيبني بمكروه من جهتها استدراجًا لكم، وفتنة. وقال الواحدي: لا أخاف إلا مشيئة ربي أن يعذبني. يقول الحقّ جلّ جلاله: حاكيًا عن خليله إبراهيم: { ولا أخاف ما تُشركون به } أي: لا أخاف معبوداتكم أن تصيبني بشيء لأنها جوامد لا تضر ولا تنفع، { إلا أن يشاء ربي شيئًا } يصيبني بقدَره وقضائه، فإنه يصيبني لا محالة، لا بسببها، { وَسِعَ ربي كل شيء علمًا } ، كأنه علَّة الاستثناء، أي: لا أخاف إلا ما سبق في مشيئة الله، لأنه أحاط بكل شيء علمًا، فلا يبعد أن يكون في علمه وقدره أن يحيق بي مكروه من جهتها، { أفلا تتذكرون } فتُمَيزوا بين الصحيح والفاسد، والقادر والعاجز؟. { وكيف أخافُ ما أشركتم } وهو جامد عاجز لا يتعلق به ضرر ولا نفع؟ { ولا تخافون أنكم أشركتم بالله } وهو أحق أن يُخاف منه كل الخوف، لأنه القادر على الانتقام ممن أشرك معه غيره، وسوَّى بينه وبين مصنوع عاجز، لا يضر ولا ينفع، فأنتم أحق بالخوف لأنكم { أشركتم بالله ما لم يُنزِّل به عليكم سلطانًا } أي: لم يُنَزل بإشراكه كتابًا، ولم ينصب عليه دليلاً، { فأيُّ الفريقين أحق بالأمن }: أهل التوحيد والإيمان، أو أهل الشرك والعصيان؟ { إن كنتم تعلمون } ما يَحق أن يُخاف منه.

السابقالتالي
2 3