الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ ٱلَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَـٰكِنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ } * { وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَىٰ مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ ٱللَّهِ وَلَقدْ جَآءَكَ مِن نَّبَإِ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِن ٱسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي ٱلأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي ٱلسَّمَآءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى ٱلْهُدَىٰ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْجَٰهِلِينَ }

قلت: { قد } للتحقيق، وإنه ضمير الشأن، وقرأ نافع: " يُحزن " ، بضم الياء حيث وقع، إلا قوله:لاَ يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ } [الأنبيَاء:103] والباقون: بفتح الياء، وفيه لغتان: حزن يحزُن، كنصر ينصر، وأحزن يحزِن. والأول أشهر. ومن قرأ: " يُكذّبُونَك " بالتشديد فمعناه: لا يعتقدون كذبك، وإنما هم يجحدون الحق مع علمهم به، ومن قرأ بالتخفيف فمعناه: لا يجدونك كاذبًا، يقال: أكذبت الرجل إذا وجدته كاذبًا، وقيل: معناهما واحد، يقال: كذّب فلانٌ فلانًا، وأكذبه، بمعنى واحد، وفاعل { جاءك }: مضمر، أي: نبأ أو بيان، وقيل: الجار والمجرور. وجواب { فإن استطعت }: محذوف، أي: فافعل. يقول الحقّ جلّ جلاله: { قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون } أي: الكفار في جانبك من أنك شاعر أو كاهن أو مجنون أو كاذب،. { فإنهم لا يُكذبونك } في الحقيقة، لجزمهم بصحة نبوتك، ولكنهم يجحدون بآيات الله، حسدًا وخوفًا على زوال الشرف من يدهم: نزلت في أبي جهل، قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: " إِنَّا لاَ نُكَذِّبُكَ، ولكِن نُكذِّبُ بِمَا جئتَ بِهِ " وقال الأخنَسُ بن شُرَيق: والله إن محمدًا لصادق، ولكني أحسده على الشرف. ووضع { الظالمين } موضع المضمر للدلالة على أنهم ظلموا لجحودهم، أو جحدوا لتمرنهم على الظلم. ثم سلاَّه عن ذلك، فقال: { ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأُوذوا } أي: صبروا على تكذيبهم وأذاهم، { حتى أتاهم نصرنا } ، فاصبر كما صبروا حتى يأتيك نصرنا كما أتاهم، وفيه إيماء بوعد النصر للصابرين، ولذلك قيل: الصبر عنوان الظفر. { ولا مبدل لكلمات الله } السابقة بنصر الصابرين، كقوله تعالى:وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ } [الصافات: 171ـ172]، { ولقد جاءك من نبأ المرسلين } أي: من قصصهم، وما كابدوا من قومهم حتى نصرهم الله فتأنس بهم وانتظر نصرنا. { وإن كان كَبُر } أي: عظم وشق { عليك إعراضهم } عنك وعن الإيمان بما جئت به، { فإن استطعت أن تبتغي نفقًا } أي: سرباً { في الأرض } فتدخل فيه لتطلع لهم آية، { أو سُلَّما في السماء } لترتقي فيه { فتأتيهم بآية } حتى يعاينوها فافعل، ولكن الأمر بيدي، فإنما أنت نذير. قال البيضاوي: المقصود: بيان حرصه البالغ على إسلام قومه، وأنه لو قدر أن يأتيهم بآية من تحت الأرض أو من فوق السماء لأتى بها رجاء إسلامهم، { ولو شاء الله لجمعهم على الهدى } أي: لو شاء الله جمعهم على الهدى لوفقهم للإيمان حتى يُؤمنوا، ولكن لم تتعلق به مشيئته، وفيه حجة على القدرية. أو: لو شاء الله لأظهر لهم أية تلجئهم إلى الإيمان، لكن لم يفعل لخروجه عن الحكمة، { فلا تكونن من الجاهلين } أي: من الذين يحرصون على ما لم تجر به المقادير، أي: دم على عدم كونك منهم ولا تقارب حالهم بشدة التحسر.

السابقالتالي
2