قلت: { تعالوا }: أمر من التعالي، وأصله: أن يقوله من كان في علو لمن كان في سفل، فاتسع فيه بالتعميم في كل أمر بالقدوم، و { ألاَّ تشركوا }: فيه تأويلات أحدها: أن تكون مفسرة لا موضع لها، و { لا }: ناهية جزمت الفعل، أو تكون مصدرية في موضع رفع، أي: الأمر ألاَّ تشركوا، و { لا }: نافية حينئذٍ، أو بدل من { ما } و { لا }: زائدة، أو على حذف الإغراء، أي: عليكم إلا تشركوا. قال ابن جزي: والأحسن أن يكون ضَمَّنَ { حرَّم } معنى وَصَّى، وتكون { أن } مصدرية، و { لا } نافية، ولا تفسد المعنى لأن الوصية في المعنى تكون بتحريم وتحليل وبوجوب وندب، ويدل على هذا قوله بعد ذلك: { ذلكم وصاكم به } ولا ينكر أن يريد بالتحريم ـ الوصية لأن العرب قد تذكر اللفظ الخاص، وتريد به العموم، كما تذكر اللفظ العام وتريد به الخصوص، فتقدير الكلام على هذا: قل تعالوا أتل ما وصاكم به ربكم، ثم أبدل منه، على وجه التفسير والبيان، فقال: ألاَّ تشركوا، ووصاكم بالإحسان بالوالدين، وهكذا.. فجمعت الوصية ترك الإشراك وفعل الإحسان بالوالدين، وما بعد ذلك. انظر بقية كلامه. وإنما قال الحق سبحانه: { من إملاق } ، وقدّم الكاف في قوله { نرزقكم } ، وفي الإسراء قال:{ خَشْيَةَ إِمْلاَقٍ } [الإِسرَاء:31]، وأخر الكاف لأن ما هنا نزل في فقراء العرب، فكان الإملاق نازلاً بهم وحاصلاً لديهم، فلذلك قال: { من إملاق } ، وقدم الخطاب لأنه أهم. وفي الإسراء نزلت في أغنيائهم، فكانوا يقتلون خوفًا من لحوق الفقر، لذلك قال: { خشية إملاق } ، وقدم الغيبة فقال: { نحن نرزقهم } حين نخلقهم وإياكم. يقول الحقّ جلّ جلاله: { قل } لهم: { تعالَوا } أي: هلموا، { أتلُ } أي: أقرأ { ما حرم ربكم عليكم } ، واجتمعت عليه الشرائع قبلكم، ولم يُنسخ قط في ملة من الملل، بل وصى به جميع الملل، و { ألاَّ تُشركوا به شيئًا } بل توحدوه وتعبدوه وحده، { و } أن تحسنوا { بالوالدين إحسانًا } ، ولا تُسيئوا إليهما لأن من أساء إليهما لم يحسن إليهما. { ولا تقتلوا أولادكم من إملاق } أي: من أجل الفقر الحاصل بكم، وكانت العرب تقتل أولادها خوفًا من الفقر فنزلت فيهم، فلا يفهم منه إباحة قتلهم لغيره، { نحن نرزقكم وإياهم } ، فلا تهتموا بأمرهم حتى تقتلوهم. { ولا تقربوا الفواحش } كبار الذنوب { ما ظهر منها } للناس { وما بَطَنَ } في خلوة، أو: ما ظهر منها على الجوارح، وما بطن في القلوب من العيوب، { ولا تقتلوا النفس التي حرَّم الله إلا بالحق } كالقود، وقتل المرتد، ورجم المحصن. قال صلى الله عليه وسلم: " لا يحلُّ دَمُ امرىءٍ مُسلمٍ إلا بإحدى ثلاثٍ: زِنَىً بعد إحصَانٍ، وكُفرٍ بعد إيمَانٍ، وقَتل نَفسٍ بغيرِ نَفسٍ "