الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلاَدَكُمْ مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ ذٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } * { وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ ٱلْيَتِيمِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ ٱلْكَيْلَ وَٱلْمِيزَانَ بِٱلْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَٱعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ وَبِعَهْدِ ٱللَّهِ أَوْفُواْ ذٰلِكُمْ وَصَّـٰكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } * { وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }

قلت: { تعالوا }: أمر من التعالي، وأصله: أن يقوله من كان في علو لمن كان في سفل، فاتسع فيه بالتعميم في كل أمر بالقدوم، و { ألاَّ تشركوا }: فيه تأويلات أحدها: أن تكون مفسرة لا موضع لها، و { لا }: ناهية جزمت الفعل، أو تكون مصدرية في موضع رفع، أي: الأمر ألاَّ تشركوا، و { لا }: نافية حينئذٍ، أو بدل من { ما } و { لا }: زائدة، أو على حذف الإغراء، أي: عليكم إلا تشركوا. قال ابن جزي: والأحسن أن يكون ضَمَّنَ { حرَّم } معنى وَصَّى، وتكون { أن } مصدرية، و { لا } نافية، ولا تفسد المعنى لأن الوصية في المعنى تكون بتحريم وتحليل وبوجوب وندب، ويدل على هذا قوله بعد ذلك: { ذلكم وصاكم به } ولا ينكر أن يريد بالتحريم ـ الوصية لأن العرب قد تذكر اللفظ الخاص، وتريد به العموم، كما تذكر اللفظ العام وتريد به الخصوص، فتقدير الكلام على هذا: قل تعالوا أتل ما وصاكم به ربكم، ثم أبدل منه، على وجه التفسير والبيان، فقال: ألاَّ تشركوا، ووصاكم بالإحسان بالوالدين، وهكذا.. فجمعت الوصية ترك الإشراك وفعل الإحسان بالوالدين، وما بعد ذلك. انظر بقية كلامه. وإنما قال الحق سبحانه: { من إملاق } ، وقدّم الكاف في قوله { نرزقكم } ، وفي الإسراء قال:خَشْيَةَ إِمْلاَقٍ } [الإِسرَاء:31]، وأخر الكاف لأن ما هنا نزل في فقراء العرب، فكان الإملاق نازلاً بهم وحاصلاً لديهم، فلذلك قال: { من إملاق } ، وقدم الخطاب لأنه أهم. وفي الإسراء نزلت في أغنيائهم، فكانوا يقتلون خوفًا من لحوق الفقر، لذلك قال: { خشية إملاق } ، وقدم الغيبة فقال: { نحن نرزقهم } حين نخلقهم وإياكم. يقول الحقّ جلّ جلاله: { قل } لهم: { تعالَوا } أي: هلموا، { أتلُ } أي: أقرأ { ما حرم ربكم عليكم } ، واجتمعت عليه الشرائع قبلكم، ولم يُنسخ قط في ملة من الملل، بل وصى به جميع الملل، و { ألاَّ تُشركوا به شيئًا } بل توحدوه وتعبدوه وحده، { و } أن تحسنوا { بالوالدين إحسانًا } ، ولا تُسيئوا إليهما لأن من أساء إليهما لم يحسن إليهما. { ولا تقتلوا أولادكم من إملاق } أي: من أجل الفقر الحاصل بكم، وكانت العرب تقتل أولادها خوفًا من الفقر فنزلت فيهم، فلا يفهم منه إباحة قتلهم لغيره، { نحن نرزقكم وإياهم } ، فلا تهتموا بأمرهم حتى تقتلوهم. { ولا تقربوا الفواحش } كبار الذنوب { ما ظهر منها } للناس { وما بَطَنَ } في خلوة، أو: ما ظهر منها على الجوارح، وما بطن في القلوب من العيوب، { ولا تقتلوا النفس التي حرَّم الله إلا بالحق } كالقود، وقتل المرتد، ورجم المحصن. قال صلى الله عليه وسلم: " لا يحلُّ دَمُ امرىءٍ مُسلمٍ إلا بإحدى ثلاثٍ: زِنَىً بعد إحصَانٍ، وكُفرٍ بعد إيمَانٍ، وقَتل نَفسٍ بغيرِ نَفسٍ "

السابقالتالي
2