الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ قُلْ إِنِّيۤ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكَينَ } * { قُلْ إِنِّيۤ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } * { مَّن يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْمُبِينُ } * { وَإِن يَمْسَسْكَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ } * { وَهُوَ ٱلْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْخَبِيرُ }

قلت: { فاطر }: نعت لله، ومعناه: خالق ومبدع. قال ابن عباس رضي الله عنه: ما كُنت أعرف معنى فاطر، حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر، فقال أحدهما: أنا فطَرتها بيدي. وجملة: { وهو يطعم }: حال، وقُرِىء بعكس الأول ببناء الأول للمفعول، والثاني للفاعل، على أن ضمير { هو } راجع لغير الله، وببنائهما للفاعل على معنى يُطعِم تارة، ويمنع أخرى، كقوله:يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ } [البَقَرَة:245]، وجملة { إن عصيتُ }: معترضة بين الفعل والمفعول، والجواب: محذوف دل عليه ما قبله، أي: إن عصيتُ فإني أخاف عذاب يوم عظيم. يقول الحقّ جلّ جلاله: { قل } لهم يا محمد: { أغير الله أتخذ وليًّا } أي: معبودًا أُواليه بالعبادة والمحبة، وأُشركه مع الله الذي أبدع السماوات والإرض، { وهو } الغني عما سواه، الصَّمَداني، { يُطعِمُ } ولا يحتاج إلى من يُطعمه، فهو يَرزُق ولا يُرزق، وتخصيص الطعام لشدة الحاجة إليه { قُل } لهم: { إني أُمرتُ أن أكون أول من أسلم } ، وأنقاد بكُلّيتي إلى هذا الإله الحقيقي، العني بالإنطلاق، وأرفضُ كل ما سواه، ممن عمّه الفقرُ ابتداءً ودوامًا. فكان عليه الصلاة والسلام هو أولَ سابق إلى الدين. ثم قيل له: { ولا تكونن من المشركين } تنفيرًا لغيره من الشرك، وإلاّ فهو مبرَّأ منه ـ عليه الصلاة والسلام ـ. { قل إني أخاف إن عصيت ربي } بالشرك وغيره { عذاب يوم عظيم } ، وهذه مبالغة أخرى في قطع أطماعهم، وتعريض لهم بأنهم عصاة، مستوجبون للعذاب، { من يُصرف عنه } ذلك العذاب، { يومئدٍ } أي: يوم القيامة، { فقد رحمه } أي: نجاه، وأنعم عليه، { وذلك الفوز المبين } أي: وذلك الصرف أو الرحمة هو الفلاح المبين. ثم ذكر حجة أخرى على استحقاقه للعبادة والولاية، فقال: { وإن يمسسك الله بضرّ } كمرض أو فقر، { فلا كاشف له إلا هو } إذ لا يقدر على صرفه غيره، { وإن يمسسك بخير } بنعمة، كصحة وغنى ومعرفة وعلم، { فهو على كل شيء قدير } ، فهو قادر على حفظه وإدامته، ولا يقدر أحد على دفعه، كقوله تعالى:فَلآ رَآدَّ لِفَضْلِهِ } [يُونس:107]، { وهو القاهر } لجميع خلقه كلهم في قبضته، { فوق عباده } بهذه القهرية والغلبة والقدرة، { وهو الحكيم } في صنعه وتدبيره، { الخبير } بخفايا أمور عباده، لا يخفى عليه شيء من أحوالهم الباطنة والظاهرة. الإشارة: في الآية حَضٌّ على محبة الحق، وولايته على الدوام، ورفض كل ما سواه ممن عمَّه الفقر من الأنام، وفيها أيضًا: حثّ على المسابقة إلى الخيرات، والمبادرة إلى الطاعات، اقتداء بسيد أهل الأرض والسماوات، فكان ـ عليه الصلاة والسلام ـ أول من عبد الله، وأول من توجه إلى مولاه، قال تعالى:قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ الْعابِِِدِينَ } [الزّخرُف:81]، فلو جاز أن يتخذ ولدًا، لكنت أنا أولى به، لأني أنا أول من عبده.

السابقالتالي
2