الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ يَٰقَوْمِ ٱعْمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنَّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُ عَٰقِبَةُ ٱلدَّارِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّٰلِمُونَ }

قلت: { من تكون }: إما مفعول { تعلمون } ، أو مبتدأ، وهي إما موصولة أو استفهامية، والمكانة: التمكن أو الجهة، يقال: مكان ومكانة كمقام ومقامة. يقول الحقّ جلّ جلاله: { قل } يا محمد: { يا قوم اعملوا على مكانتكم } أي: تمكنكم من هواكم وشهواتكم التي أنتم عليها، أو على ناحيتكم وجهتكم التي أنتم عليها من الكفر والهوى، والمعنى: اثبتوا على ما أنتم عليه من الكفر والعداوة، { إني عامل } على ما أنا عليه من المصابرة والثبات على الدين الحق. والتهديد بصيغة الأمر مبالغة في الوعيد، كأن الذي يهدده يريد تعذيبه لا محالة، فيحمله بالأمر على ما يفضي به إليه، وتسجيلٌ بأن المهدد لا يأتي منه إلا الشر، كالمأمور به الذي لا يقدر أن ينقضي عنه. قاله البيضاوي. ثم صرح بالتهديد فقال: { فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار } أي: أيُّنا تكون له العاقبة الحسنى التي خلق الله لها هذه الدار، أي: وهي الدار الآخرة، أو: فسوف تعرفون الذي تكون له عاقبة سكنى الدار الآخرة والنعيم المقيم، أو: من تكون له عاقبة هذه الدار بالنصر والظهور على الأديان ـ أنا أو أنتم، وفيه إنصاف في المقال حال الإنذار، وحسن الأدب، وتنبيهٌ على وثوق المنذِر لأنه محق. قال تعالى { إنه } ، أي: الأمر والشأن، { لا يُفلح الظالمون } ، والظلم أعلم من الكفر، ولذلك وضُع موضعه لعمومه. الإشارة: إذا انكب الناس على الدنيا، وأخذتهم الغفلة، وغلب عليهم الهوى، ثم وقع الوعظ والتذكير من أهل الإنذار، فقابَلوهم بالإبعاد والإنكار، يقول لهم المذكور والواعظ: { يا قوم اعلموا على مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار... } الآية. ثم ذكر جهالةالجاهليّة وحمقهم، فقال: { وَجَعَلُواْ للَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ ٱلْحَرْثِ }.