الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ قَدِ ٱسْتَكْثَرْتُمْ مِّنَ ٱلإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ ٱلإِنْسِ رَبَّنَا ٱسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَآ أَجَلَنَا ٱلَّذِيۤ أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ ٱلنَّارُ مَثْوَٰكُمْ خَٰلِدِينَ فِيهَآ إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ } * { وَكَذٰلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ ٱلظَّٰلِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ }

قلت: { خالدين }: حال مقدَّرة من الكاف، والعامل فيه: { مثواكم } ، إن جعل مصدرًا، أو معنى الإضافة، إن جعل مكانًا. يقول الحقّ جلّ جلاله: { و } اذكر { يوم نحشرهم } أي: الثقلين، { جميعًا } ونقول: { يا معشر الجن } أي: الشياطين { قد استكثرتم من الإنس } أي: من إغوائهم وإضلالهم، أو استكثرتم منهم بأن جعلتموهم في أتباعكم، فحُشروا معكم، { وقال أولياؤهم من الإنس } الذين أطاعوهم في الكفر: { ربنا استمتع بعضنا ببعض } أي: انتفع الإنس بالجن، بأن دلوهم على الشهوات وما يتوصل به إليها، وانتفع الجن بالإنس بأن أطاعوهم وحَصَّلوا مرادهم: وقيل: استمتاع الإنس بهم أنهم كانوا يعوذُون بهم في المفارز وعند المخاوف، كان الرجل إذا نزل واديًا يقول: أعوذ بصاحب هذا الواد، يعني كبير الجن، واستمتاعهم بالإنس: اعترافهم بأنهم يقدرون على إجارتهم، { وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا } وهو الموت أو البعث والحشر، وهو اعترافٌ بما فعلوا من طاعة الشياطين واتباع الهوى، وتكذيب البعث، وتحسرٌ على حالهم، وإظهار للأستكانة والضعف. أقروا بذنبهم لعله ينفعهم. { قال النار مثواكم }: منزلكم، { خالدين فيها إلا ما شاء الله } إلا أوقات، ينتقلون فيها من النار إلى الزمهرير، وقيل: ليس المراد بالاستثناء هنا الإخراج، وإنما هو على وجه الآدب مع الله وإسناد الأمور إليه. وسيأتي في الإشارة تكميله إن شاء الله، { إن ربك حكيم } في أفعاله، { عليم } بأعمال الثقلين. { وكذلك } أي: كما ولينا الشياطين على الكفرة، { نُوَلِّي بعض الظالمين بعضًا } أي: نَكَّل بعضهم إلى بعض، أو نجعل بعضًا يتولى بعض فيقويهم، أو: أولياءهم وقرناءهم في العذاب، كما كانوا قرناء في الدنيا، وذلك التولي والتسليط { بما كانوا يكسبون } من الكفر والمعاصي. الإشارة: ليست الآية خاصة بالكفار، بل كان عَوَّق الناسَ عن طريق الخصوص، واستكثر من العموم بأن أبقاهم في حزبه، يقال له: يا معشر أهل الرياسة قد استكثرتم من العموم، فيقول أهل اليمين من العموم: ربنا استمتع بعضنا ببعض فتبعناهم في الوقوف مع الحظوظ والعوائد، وتمتعوا بتكثير سوادهم بنا وتنعيش رياستهم، مع ما يلحقهم من الارتفاق من قِبلنا، فيقول الحق تعالى: نار القطيعة والحجاب مثواكم خالدين فيها، إلا وقت الرؤية مع عوام الخلق، وهذه عادته تعالى: يولي بعض الغافلين بعضًا بسبب غفلتهم. وفي قوله تعالى: { إلا ما شاء الله } ـ إرشاد إلى استعمال الأدب، وردُ الأمور كلها إلى رب الأرباب، وعدم التحكيم على غيب مشيئته وعلمه، وقوفًا مع ظاهر الوعد أو الوعيد، فالأكابر لا يقفون مع وعد ولا وعيد، كقول عيسى عليه السلام:وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } [المَائدة:118]، وكقوله إبراهيم عليه السلام:وَلآ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلآَّ أَن يَشَآءَ رَبِي شَيْئًا } [الأنعَام:80] الآية، وكقوله:

السابقالتالي
2