الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ ٱلْمَوْتَىٰ وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُوۤاْ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ }

قلت: { قبلاً }: بكسر القاف معاينة، وبضمتين: جمع قبيل، أي: ضمناء، وهو حال. يقول الحقّ جلّ جلاله: في الرد على المشركين، حين أقسموا: لئن رأوا آية ليؤمنن بها، فقال تعالى: { ولو أننا نزّلنا إليهم الملائكة } تشهد لك بالنبوة كما اقترحوا، { وكلمهم الموتى } كما طلبوا بقولهم:فَأتُواْ بِأَبَآئِنَآ } [الدخان:36]، وقالوا: إنَّ قُّصيًّا كان شيخ صِدق، فابعثه لنا يكلمنا ويشهد لك بما تدعي. { و } لو { حشرنا عليهم } أي: جمعنا عليهم، { كل شيء } من الحيوانات والجمادات، معاينة، أو ضمناء، تشهد لك بالرسالة والنبوة، { ما كانوا ليؤمنوا } بك في حال من الأحوال، { إلا أن يشاء الله } إيمانهم فيمن لم يسبق له الشقاء، { ولكن أكثرهم يجهلون } أنهم لو أُوتوا بكل آية لم يؤمنوا، فكيف يقسمون بالله جَهدَ أيمانهم على ما لا يعلمون؟‍، فالجهل بهذا المعنى حاصل لأكثرهم، ومطلق الجهل حاصل لجميعهم، أو: ولكن أكثر المسلمين يجهلون أنهم لا يؤمنون، فيتمنون نزول الآية طمعًا في إيمانهم. قاله البيضاوي. الإشارة: في الآية تسكين لقلوب الأولياء الداعين إلى الله، حين يرون الخلق قد حادوا عن باب الله، وتعلقت هممهم بالدنيا الدنية، وتشتتت قلوبهم، وضاعت عليهم أعمارهم، فيتأسفون عليها، فإذا تفكروا في هذه الآية وأمثالها سكنوا وردوا أمر عباد الله إلى مشيئته وإرادته، فلو شاء الله لهدى الناس جميعًا، ولا يزالون مختلفين: { ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله }. وبالله التوفيق. ومما تعلقت به المشيئة، وجرت به الحكمة، أنه لا بد أن يبقى للنبي من يُحَرِّكه إلى ربه، كما أبان ذلك بقوله: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ }.