الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَذٰلِكَ نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ وَلِيَقُولُواْ دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }

قلت: تصريف الشيء: إجراؤه على أحوال متعاقبة وجهات مختلفة، ومنه: تصريف الرياح لهبوبه من جهات مختلفة، ولما كانت آيات القرآن تنزل على أنواع مختلفة في أوقات متعاقبة، شبهت بتصريف الرياح على أنحاء مختلفة، { وليقولوا }: متعلق بمحذوف، أي: وليقولوا: درست، صرفنا الآيات، واللام للعاقبة، وكذلك: { ولنبينه }: المتعلق واحد. يقول الحقّ جلّ جلاله: ومثل ذلك التصريف الذي صرفنا من الآيات، من قوله:إِنَّ اللهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى } [الأنعَام:95]، إلى قوله:قَدْ جَآءَكُم بَصَآئِِرُ مِن رَّبِكُمْ } [الأنعَام:104] ـ { نُصرِّف الآيات } في المستقبل لتكون عاقبة قوم الشقاء بها بتكذيبهم إياها، { وليقولوا } لك: { دارسْتَ } أهل الكتاب، وتعلمت ذلك منهم، وليس بوحي، أو { درسَت } هذه الأخبار وعفت، وأخبرت بها من إملاء غيرك عليك، كقولهم: أساطير الأولين، وليكون عاقبة قوم آخرين الاهتداء، وإليهم الإشارة بقوله: { ولنبينه لقوم يعلمون } أي: وليتضح معناه عند قوم آخرين، فيهتدوا به إلى معرفتي وتوحيدي ومحل رضواني وكرامتي، فالخطاب متحد، والأثبر مختلف على حسب السابقة. الإشارة: ظهور الآيات على يد أهل الخصوصية ـ كالعلوم اللدنية والمواهب الربانية ـ لا يوجب لهم التصديق لجميع الخلق، فلو أمكن ذلك لكان النبي صلى الله عليه وسلم أولى به، بل لا بد من الاختلاف، فقوم قالوا: هذه العلوم... دارس فيها وتعلمها، وقوم قالوا: بل هي من عند الله لا كسب فها، قال تعالى:وَلاَ يَزَالُون مُخْتَلِفِينَ } [هُود:118]. ثم أمر نبيه بالإعراض عن أهل الإنكار، فقال: { ٱتَّبِعْ مَآ أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ }.