الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نَافَقُواْ يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلاَ نُطِيعُ فيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } * { لَئِنْ أُخْرِجُواْ لاَ يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُواْ لاَ يَنصُرُونَهُمْ وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ ٱلأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ } * { لأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِّنَ ٱللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ } * { لاَ يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَآءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ }

يقول الحق جلّ جلاله: { ألم تَرَ إلى الذين نافقوا } أي: ألم ترَ يا محمد، أو: يا مَن يسمع، إلى عبد الله بن أُبيّ وأشياعه؟ حكاية لما جرى بين الكفرة والمنافقين، من الأقوال الكاذبة والأحوال الفاسدة، بعد حكاية محاسن أقوال المؤمنين، وأحوالهم الحميدة، على اختلاف طبقاتهم. وقوله تعالى: { يقولون } استئناف لبيان المتعجب منه، وصيغة المضارع للدلالة على استمرار قولهم، أو: لاستحضار صورته. واللام في قوله: { لإِخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب } للتبليغ، والمراد بالأخوة: أخوة الكفر، واللام في قوله: { لئن أُخرجتم } موطئة للقسم، و { لنَخْرُجَنَّ } جوابه، أي: والله لئن أُخرجتم من دياركم { لنَخْرُجَنَّ معكم } ، رُوي أن ابن أُبي وأصحابه دسُّوا إلى بني النضير، حين حاصرهم النبي صلى الله عليه وسلم: لا تخرجوا من الحصن، فإن قاتلوكم فنحن معكم، لا نخذلكم، ولئن أُخرجتم لنخرُجن معكم، { ولا نُطيعُ فيكم } في قتالكم { أحداً أبداً } ، يعني رسول الله والمسلمين، أو: لا نُطيع في خذلانكم وإخلاف ما وعدناكم من النصرة أحداً، وإن طال الزمان، { وإن قُوتلتم لننصرنكم } ، قال تعالى في تكذيبهم: { واللهُ يشهد إنهم لكاذبون } في مواعدهم المؤكدة بأيمانهم الفاجرة. { لئن أُخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قُوتلوا لا ينصرونهم } ، وكان الأمر كذلك، فلم يقدر أحد أن يرفع رأسه لنصرتهم، ففيه معجزة واضحة، { ولئن نصروهم } على الفرض والتقدير، { ليُوَلُّنَّ الأدبارَ } فراراً { ثم لا يُنصرون } أبداً، إما المنافقون أو اليهود، أي: لا تكون لهم شوكة أبداً. وإنما قال: { ولئن نصروهم } بعد الإخبار بأنهم لا ينصرونهم، أي: على الفرض والتقدير كقوله:لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ } [الزمر: 65]، والحق تعالى كما يعلم ما يكون، يعلم ما لا يكون أن لو كان كيف يكون. { لأنتم أشدُّ رهبةً } أي: أشد مرهوبية، مصدر: رُهِبَ، المبني للمفعول، أي: أنتم أشد خوفاً { في صُدورهم من الله } دلالة على نفاقهم، يعني: إنهم يُظهرون لكم في العلانية خوفَ الله، وأنتم أهيب في صدورهم من الله، { ذلك } أي: ما ذكر من كون رهبتهم منكم أشد من رهبة الله { بأنهم قوم لا يفقهون } شيئاً حتى يعلموا عظمة الله تعالى، فيخشوه حق خشيته. { لا يُقاتلونكم } أي: اليهود والمنافقون، أي: لا يقدرون على قتالكم { جميعاً } مجتمعين متفقين في موطن من المواطن، { إلاّ في قُرىً محصنةٍ } ، بالدُّروب والخنادق، { أو مِن وراء جُدُر } دون أن يصحروا ويبارزوكم لفرط رهبتهم. وقرأ المكي: " جدار " بالإفراد. { بأسُهم بينهم شديدٌ } ، بيان لِما ذكر من أنَّ رهبتهم ليس لضعفهم وجُبنهم في أنفسهم، فإنّ بأسهم بالنسبة إلى أقرانهم شديد، وإنما ضعفُهم وجبنهُم بالنسبة إليكم، بما قذف الله تعالى في قلوبهم من الرعب. { تَحْسَبُهم } أي: المنافقين واليهود { جميعاً } أي: مجتمعين ذوي أُلفة واتحاد، { وقلوبُهم شَتَّى } متفرقة لا أُلفة بينها.

السابقالتالي
2