الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُمْ مِّن نِّسَآئِهِمْ مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ ٱللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً مِّنَ ٱلْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ } * { وَٱلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } * { فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذَلِكَ لِتُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ }

يقول الحق جلّ جلاله: { وَالَّذِينَ يَظَّهَّرُونَ } وأصله: يتظهرون، فأدمغت التاء في الظاء، وقرأ عاصم: بضم الياء وتخفيف الظاء، مضارع ظاهر لأنّ كل واحد يباعد صاحبه، وقرأ ابن عامر والأخوان وأبو جعفر وخلف بفتح الياء وشد الظاء بالمد، مضارع " تظاهر " ، والحاصل في فعل الظهار ثلاث لغات: ظاهر وتظاهر وتظهر، مأخذة من الظهر لأنه يُشَبِّه امرأته بظهر أُمه، ولا مفهوم للظهر، بل كل جزء منها مثل الظهر. وفي قوله: { منكم } توبيخ للعرب، لأنه كان من أيْمان الجاهلية خاصة، دون سائر الأمم، { مِن نسائهم } من زوجاتهم، { ما هن أمهاتِهم }: خبر الموصول، أي: ليسوا بأمهاتهم حقيقة، فهو كذب محض، { إِنْ أمهاتُهم } حقيقة { إِلاّ اللائي وَلَدنَهُمْ } مِن بطونهن، فلا تشبّه بهن في الحرمة إلاّ مَن ألحقها الشرع بهن من المرضعات وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فيدخلن بذلك في حكم الأمهات، وأما الزوجات فأبعد شيء من الأمومة. { وزُوراً } كذباً باطلاً، منحرفاً عن الحق، { وإنّ الله لعفوٌّ غفور } لما سلف منهم. ثم ذَكَر الحُكم بعد بيان إنكاره، فقال: { والذين يَظَهِرون مِن نسائهم ثم يعودون لِما قالوا } أي: والذين يقولون ذلك القول المُنكَر، ثم يعودون إلى ما قالوا بالتدارك والتلافي ورفع التضرُّر، أو: لِنقيض ما قالوا: قال ابن جزي: في معنى العود ستة أقوال: الأول: إيقاع الظِّهار في الإسلام، فالمعنى أنهم كانوا يُظاهرون في الجاهلية، فإذا فعلوه في الإسلام فذلك عود إليه، هذا قول ابن قتيبة، فتجب الكفارة عنده بنفس الظَّهار، بخلاف أقوال غيره، فإنَّ الكفارة لا تجب إلاّ بالظهار والعود معاً. القول الثاني: إنّ العود هو وطء الزوجة، رُوي ذلك عن مالك، فلا تجب الكفارة على هذا حتى يطأ، فإذا وطئها وجبت عليه الكفارة، أمسك الزوجةَ أو طلّقها، أو ماتت. الثالث: إنَّ العَوْد هو العزم على الوطء، ورُوي هذا أيضاً عن مالك، فإذا عزم على الوطء وجبت الكفارة، أمسك، أو طلَّق، أو ماتت. الرابع: إن العود هو العزم على الوطء والإمساك، وهذا أصح الروايات عن مالك. الخامس: إنه العزم على الإمساك خاصة، وهذا مذهب الشافعي، فإذا ظاهر ولم يُطَلَّقها بعد الظَّهار لزمته الكفارة. السادس: إنه تكرار الظهار مرة أخرى، وهذا مذهب الظاهرية، وهو ضعيف، لأنهم لا يرون الظَّهار موجباً حكماً في أول مرة، وإنما يُوجبه في الثانية، وإنما نزلت فيما ظاهر أول مرة، فذلك يرد عليهم، ويختلف معنى " لِما قالوه " باختلاف هذه الأقوال، فالمعنى: يعودون للوطء الذي حرَّموه، أو للعزم عليه، أو للإمساك الذي تركوه، أو للعزم عليه. هـ. { فتحريرُ رقبةٍ } أي: فتداركه، أو فعليه، أو فالواجب تحرير رقبة. واشترط مالك والشافعي أن تكون مؤمنة، حملاً للمُطْلَق على المقيد لأنه قيّدها في القتل بالإيمان، والفاء للسببية، ومِن فوائدها: الدلالة على تكرُّر وجوب التحرير بتكرُّر الظهار.

السابقالتالي
2 3